متحف تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام..

رحلة نحو نواة التقدم الحديث.

يعد متحف تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، أول متحف متخصص في تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام بالمملكة، حيث يعنى بإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية على مر العصور، وإظهار إبداعات علماء المسلمين واختراعاتهم في مختلف المجالات العلمية، مما يقدم للأجيال الحديثة صورة غنية عن الإنجازات العلمية والتقدم الحضاري الذي كانت تعيشه الدول الإسلامية، ويربطهم بماضيهم المجيد في العلوم والتقنية، حيث لم تكن الاختراعات الحديثة لتظهر لولا استفادة علماء الغرب من الإرث الكبير الذي تركه علماء المسلمين الذين أبدعوا في مختلف المجالات العلمية، ومهدوا الطريق لما نعيشه اليوم من تقدم تكنولوجي ورفاهية حديثة. وقد أنشأت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هذا المتحف الفريد عام 1436هـ بالتعاون مع معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت الألمانية، وشرفه بالتدشين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - أثناء رعايته الكريمة للمؤتمر العالمي الثاني عن تاريخ الملك عبدالعزيز الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عام 2015م. ولدى تسلمه ترخيص إنشاء المتحف، ثمن معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية السابق الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل، الاهتمام والدعم الذي تلقاه الجامعة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- وقال في كلمة آنذاك: “أتقدم بالشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - على ما تحظى به الجامعة من دعم، ثم الشكر موصول لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على اهتمامه ودعمه، والشكر للمهندس عبدالعزيز آل حسن وزملائهِ في الهيئة على ما لمسناه منهم من حرصٍ وتفانٍ وتفاعل لتوثيق هذا العمل والإسهام في نشر رسالته داخل المملكة وخارجها”. وأضاف الدكتور أبا الخيل: “هذا المتحف بشكلهِ ومضمونهِ ومحتواه وحجمهِ يعدّ الأول من نوعه في العالم، ثم إنه أصبحَ معلمًا سياحيًا دوليًا موثقًا، ولا شك أن هذا يعتبر من الأمور المهمة التي تضع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عيون الجميع؛ وذلك من حيث الاستفادة من هذا المتحف وتفعيلهِ عبر خطط ورؤى يُمكن أن تُسهم فيها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حتى نُنظمَ العمل وتطور الاستفادة منه علميًا وسياحيًا وتاريخيًا، ولا شك أن هذا يحتاج إلى جهد كبير وإلى عملٍ متواصلٍ. وستبذل الجامعة عبر إداراتها ووحداتها كل ما تستطيع حتى يصل إلى هذا المتحف كل مبتغٍ للاستفادة والاستزادة ومعرفة ما قدمهُ علماء المسلمين سابقًا وما تقدمهُ هذه الجامعة الحاضنة لكل المعارف والفنون والأصول التي بُنيت على ما هو موجودٌ في هذا المتحف”. إبداعات علماء المسلمين يقع المتحف في الجهة الشمالية الغربية من كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويشغل المتحف ثلاثة طوابق، ويضم عددًا كبيرًا جدًا من اختراعات المسلمين خاصة في الفترة من القرن الثالث إلى العاشر الهجري، ويسهم في إبراز إبداعات علماء المسلمين في مختلف المجالات العلمية، ويشمل المتحف عددًا من الأقسام وهي: الأسطرلابات، آلات الرصد، المراصد الفلكية، علم الجغرافيا، الملاحة، البوصلات، الطب الإسلامي، الآلات الحربية، العمارة، الهندسة، علم البصريات الإسلامي، الكيمياء، الفيزياء والتقنية، وعلم الفانكانات “الساعات” عند علماء المسلمين. يضم الدور الأول أقسامًا عدة تشتمل على طواحين هوائية، ونافورات مائية، وآلات الرصد الفلكي، ومضخات المياه، والساعات بأنواعها المائية والشمعية وساعات الثُريا، فيما اشتمل الدور الثاني على قطع فنية فريدة لمجسمات الإسطرلاب، ومقتنيات أخرى أثرية لآلات الملاحة، والهندسة، والعمارة كالمساجد والمستشفيات، والآلات الحربية والبصريات، بالإضافة إلى آلات رصد تتعلق باتجاه القبلة، ومدد السنين والشهور، ومراقبة الشمس والقمر التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ومن ضمنها أكبر مرصد في العالم وهو المدينة الأوردية، إلى جانب الأدوات والأجهزة المستخدمة في المجال الطبي لدى المسلمين. كما يشتمل المتحف الذي توسطت فيه شاشات عرض تفاعلية لعرض وإيضاح كافة المقتنيات على انجازات علماء المسلمين في مجال الكيمياء، والفيزياء مثل: آلات تقطير ماء الورد، وصياغة الذهب، وكذلك آلة صنع “الشاورما” عبر تبخير الماء، وضغط الهواء الساخن، بينما يتمركز الفلك والمجموعة الشمسية في الدور الثالث، إذ علقت على الجدران المؤدية إلى القبة الفلكية الرسومات التي تظهر الكواكب وحياة الأجرام السماوية، والمجموعة الشمسية بصورة عامة. وللمتحف بوابتان: الأولى تقع في الدور الأول الذي يقع فيه المصلى وباقي الكليات، والأخرى تقع في الدور الأسفل المطل على مواقف السيارات، والبوابة التي في الدور الأسفل هي المستخدمة في الزيارات، والمتحف مفتوح لزيارات الوفود من داخل وخارج الجامعة، وغير متاح للزيارات الفردية. ويعود الزائر للمتحف إلى الفترة الذهبية التي كان يعيشها العالم الإسلامي من حيث التقدم الحضاري والعلمي حيث تعددت اختراعات واكتشافات العلماء المسلمين في مختلف المجالات، وشكلت كتبهم ومؤلفاتهم وبحوثهم النواة الأساسية للتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعيشه العالم حاليا، وما في أيدينا من اختراعات وتطبيقات وبرامج تساهم في تسهيل مهام الحياة اليومية، وتضمن الراحة والرفاهية والحياة الكريمة. زيارات متعددة أصبح مسمى المتحف حاليًا متحف تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتشرف عليه أ. د. مها بنت دخيل الله الخثعمي، التي تحرص على عقد اجتماعات دورية مع منسوبي المتحف لمناقشة الخطة التطويرية والتشغيلية، وما يستجد من أعمال وقرارات. ويستقبل المتحف العديد من الزوار وفق نظام مخصص، والتي كان من آخرها زيارة طالبات مادة تاريخ الطب بجامعة الإمام، اطلعن خلالها على محتوياته الثرية واستمعن إلى شرح عن القبة الفلكية، وأعربن عن إعجابهن بالمعروضات التي تفيدهن وترتقي بمستواهن المعرفي. كما استقبل المتحف طلاب قسم التاريخ والحضارة بكلية العلوم الاجتماعية، والطلاب والطالبات الفائزين بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع، بالإضافة إلى طالبات الدراسات العليا بقسم التاريخ والحضارة، اللاتي زرن المتحف برفقة د. أمل السعران، ود. غادة المسعود، وهدفت الزيارة إلى ربط المعرفة النظرية بالدراسات التطبيقية، وتعزيز فهم الطلاب لإسهامات الحضارة الإسلامية في تطور العلوم. وفي شهر أبريل الماضي، استقبل متحف تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وفدًا من جامعة الملك السيد سراج الدين الإسلامية العالمية في ماليزيا، الذين اطلعوا على محتويات المتحف، وشاهدوا عرضًا مرئيًا في القبة الفلكية، وأعربوا عن إعجابهم بالمتحف الذي يحاكي تاريخ علماء المسلمين. كما زار المتحف في شهر فبراير الماضي أصحاب الفضيلة قضاة دولة الفلبين، وكذلك عدد من طالبات قسم التاريخ وعلم الآثار بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وذلك في إطار تعزيز المعرفة العلمية والتعاون بين الجامعات. وفي مايو من العام الماضي، زار عدد من منسوبات معهد الملك عبد الله للترجمة والتعريب متحف تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وجاءت الزيارة سعيًا من إدارة المعهد إلى إثراء الوعي الثقافي والتاريخي لمنسوبي المعهد، بالإضافة إلى تعزيز الروابط الاجتماعية والتفاعل بين أفراد الفريق، حيث اطلعت المنسوبات خلالها على محتويات المتحف وشاهدن عرضًا مرئيًا في القبة الفلكية. وفي ختام الزيارة أعربن عن إعجابهن بالمتحف الذي يحاكي تاريخ علماء المسلمين الأوائل، ووجهن شكرهن لإدارة المتحف وامتنانهن الجزيل على الجهود المبذولة من قبل جامعة الإمام وإدارة المتحف ومنسوبيه لإنجاح هذه الزيارة.​ وفي ديسمبر من العام الماضي، استقبل المتحف الدكتور ريتشارد توماس، مستشار ورئيس تحرير دارة الملك عبدالعزيز الإنجليزية، يرافقه وكيل الجامعة للشؤون التعليمية الدكتور عبدالله الأسمري، وأعرب الضيف عن إعجابه بما يحويه المتحف من مقتنيات تحاكي تاريخ علماء المسلمين، وفي ختام الزيارة قدم المتحف درعًا تذكاريًا بهذه المناسبة.