
في زاوية غير صاخبة من المشهد السياسي، يعمل بهدوء كمن يعرف طريقه جيدًا. لا يطلب تصفيقًا، ولا يُصدر بيانات ضجيج. مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أو كما يسميه البعض: «اليد البيضاء للمملكة»، ليس مؤسسة تقليدية؛ إنه شخصية سعودية تمشي في أروقة العالم المُنهك، وتُربّت على كتفه. وُلد المركز بقرار ملكي في العام 2015، لكنه لم يتصرف كمؤسسة حديثة العهد. بدا من لحظته الأولى وكأنه خُلق مُهيّأً لمهمات كبرى، يتحرك بثقة، يُتقن لغة الميدان، ويعرف أن في بعض الحالات، لا تكون الحياة نفسها ممكنة ما لم تأتِه يد من الخارج تحمل أملًا. كان أول اختبار له، وربما الأعظم، في اليمن. ملايين من البشر في قبضة الجوع والوباء، ودول كثيرة تكتفي بالتصريحات. وحده مركز الملك سلمان كان هناك، يُسيّر الجسور الجوية والبحرية والبرية، يُنقذ الأرواح ويخيط جراح الضحايا، ويتبع بوصلته الوحيدة: الإنسان. المركز كان وسيظل مشروعًا كونيًا بروح سعودية. بأكثر من 90 دولة حول العالم، ترك بصمته: من غزة إلى باكستان ثم إلى السودان، ومن النيجر إلى الفيليبين، كانت المملكة تقول عبره للعالم: لسنا أغنياء فحسب، نحن كرماء الفعل، لا القول. آخر محطاته اللافتة كانت دمشق. في بلد أثقلته الحرب، وأدمته الخلافات، دخل الوفد الطبي السعودي إلى المستشفيات الحكومية ليُجري عمليات جراحية معقّدة للمرضى السوريين من كل الأعمار. لم يكن مشهدًا سياسيًا، بل مشهدًا إنسانيًا خالصًا. الحياد لم يكن شعارًا، بل ممارسة: مريض سوري… يُعالج على يد جرّاح سعودي… في في وقتٍ كانت فيه الدول تتجادل على خرائط النفوذ.. وما يميز هذا الكيان الإنساني، أنه لا يتعامل بمنطق المِنّة ولا منطق الاستعراض. يكتب تقاريره بلغة الأرقام الدقيقة، ويُخضع مشاريعه لرقابة صارمة، ويعمل بالشراكة مع منظمات دولية كبرى. لم يختر أن يكون بديلًا عن أحد، بل اختار أن يكون فاعلًا أصيلًا لا تابعًا. في ميدان الحياة والموت: من يُفجّر ومن يُنقذ؟ بينما كانت ثلّة من أبنائنا، ممّن غُرّر بهم، يحكمون شِراك المتفجرات، كان الدكتور عبدالله الربيعة، في الطرف الآخر من هذا الوطن، يُحكم وصل الشرايين بالأوردة، ويعيد الأمل لطفلين سياميين، وجدا في السعودية بابًا جديدًا لحياة – بل لحياتين – طبيعيتين. مشهدان في لحظة واحدة، يجسدان صراع الخيارين: من يزرع الموت، ومن يهب الحياة. جراح سعودي.. يكتب سيرة الرحمة منذ انطلاق برنامج فصل التوائم السيامية عام 1990، أجرى الدكتور الربيعة وفريقه أكثر من 58 عملية ناجحة لأطفال من أكثر من 23 دولة، بعضها تجاوزت تكلفته 3 ملايين ريال، قُدّمت جميعها مجانيًا برعاية سعودية. ويضم الفريق أكثر من 35 طبيبًا ومتخصصًا في مجالات الجراحة، التخدير، العناية المركزة، التمريض، والتأهيل الطبي، مما يجعل هذا البرنامج أحد أضخم المبادرات الطبية الإنسانية في العالم. ويختصر الدكتور الربيعة رسالته بقوله: “حين أنجح في فصل توأم سيامي، أشعر أنني ساهمت في إنقاذ أمة، وليس فقط طفلين.” في الميدان، لا تجد موظفين بل جنودًا، ولا ترى مشاريع بل رسائل. كل خيمة نُصبت، وكل دواء وُزع، وكل طفل ضَحِكَ بعد أن كان يبكي، هو فقرة من سيرة هذا المركز الفريد. في زمن انكسرت فيه الثقة بالمنظمات، وقف مركز الملك سلمان شامخًا، يمثل السعودية لا كدولة فقط، بل كـ”قيمة إنسانية”. مركز الملك سلمان ليس مجرد مؤسسة. إنه انعكاس لصورة المملكة كما أرادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكما يجسّدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: دولة كبرى، لكنها لا تنسى وجع الضعفاء. بهذا المستوى من العطاء، تُعيد المملكة تعريف قوتها، لا بالسلاح، بل بالرحمة الممتدة من مشرط طبيب قصة المركز لم تُكتب بعد كلها. فكل قافلة جديدة، كل شحنة، كل عملية جراحية في مكان بعيد، هي فصل جديد من حكاية سعودية اسمها نحن هنا… لا لنكون شهودًا على الألم، بل لنكون سببًا في شفائه .