أيام في رحاب البحرين .

ما أن عبرنا الجسر الممتد بين ضفتي المحبة حتى غشانا حالة من الأنس والسعادة ، ذلك الجسر الذي يرتفع فوق الأمواج الهادئة ، لا تكاد تنفك كل موجة عن الأخرى إلا وهي تنداح بصورها المختلفة وتتقلب كالدلافين الموشحة بالبيــاض حين تصنع البهجــة للناس ، إنها أمواج الخليج العربي التي تضعك في قلب الفسحة وفي زهو الفرحة، وتمنحك حالة عصف ذهني وتفتق فكري لتكتشف عالماً ينثال من الجمال ، أما لحظات إطلالتك على الجسر نحو البحر فتأخذك إلى حيث الغوص واللؤلؤ وطريق الحرير البحري وأسراب السنابك والسفن التجارية التي كانت تمخر عباب البحر صوب الشرق الأقصى أرض التوابل وكأنك تسمع صوت النهام ( مغني السفينة ) بمزاج بحري منتشٍ (أوه يا مال يا مال) أو ذلك الصوت الشجي للفنان الشعبي البحريني محمد زويد بعزف العود الذي يتردد صداه على موج البحر وبموال صوت الشوق إلى الأحباب وبلحن الغربة لمح البرق اليماني فشجاني ما شجاني أبعد الأحباب عني فأراني ما أراني هنا على ضفاف الخليج تعيش لحظة ماتعة فيها حالة انفتاح معرفي لكل عوالم البحر وحياة إنسان البحرين ، ولا يغيب صوت ماء البحر بأمواجه المنسربة تحت الجسر بل تشعرك بحالة من الألفة والمحبة وكأنها تمُد يد التحية وتلوح بها لكل قادم إلى مملكة البحرين ، أما زرقة لون سطح البحر وصفاؤه فإنها تحدثك عن وجه السعادة وأمل حالم نابض بالحياة ، ذلك الجسر بانسيابية مداه جَسّرَ الطريق إلى الأهل والأشقاء ، وفي غَمّرة زهو تلك المشاهد كنت اسمع صوت همسات الرفاق في حديث يصف الجسر بأنه يتجاوز وضعه المادي ويتعدى ملامحه الإسمنتية إلى جسر مودة وعلاقة محبة تربط بين روح الإنسان وعطائه وامتداد صيرورته وثقافته وتاريخه ، تلك العـــلاقة بربـــاطها الوثيق والممــتدة عبر الزمن وســرمدية لا تنتهي ، ومن هنا كان لابد من البوح عن الرحلة إلى البحرين لاسيما والأصوات تتعالى أهلا بكم في مملكة البحرين حيث التاريخ والحضارة ونحن نعبر بسرور وانسياب خالص إلى مرافئ الخير والجمال والتقدم العمراني الذي ابهر الجميع بفضل قيادة حكيمة نذرت نفسها من اجل الإنسان وهذا الوطن العظيم ، كان في الوقت متسعُ لرؤية ملامح وقسمات جمال البحرين حيث تشير الساعة إلى الخامسة مساء ونحن في بداية الأسبوع الأمر الذي يوحي بأسبوع حافل حيث الحياة تعج بالنشاط والحيوية وأنت ترقب ذلك في ملامح المارة في مسرح الحياة والناس تغدو وتروح ، إنها مملكة البحرين تأخذك في رحلة سفر نحو فجر بعيد ، وبعد تطواف جميل قد بدأت ملامح الأصيل ترخي بظلالها على المكان ، كان كل شي جميل وحالم وله لغته الخاصة التي تمنحك القدرة على استنطاق المكان بكل مكوناته الصوتية واللونية ، خُطانا تتباطأ ولا نكاد نفارق المكان لولا الارتباط بمكان آخر وفق جدولة زمنية وموعد دقيق لا يقل أهمية عن غيره ، وذلك بعد أن تلقينا دعوة كريمة من الوجيه عبدالعزيز بو زبون الحمادي الوجه المألوف وأحد أعمدة الثقافة في مملكة البحرين وصاحب متحف وديوانية بو زبون في محافظة المحرق لزيارة متحفه وديوانيته العامرة ، اتجهنا إلى هناك حيث عبق التاريخ فقد كان استقبالا حافلا حد البهجة ، هناك مع إنسان المحرق تعرف كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال ، متحف بو زبون تنوعت فيه القطع الأثرية واتشحت جنباته بموروث البحرين ويعد مرجعا مهما للمعلومة لكل الباحثين عن الثقافة والتاريخ ، ومن خلال جولة ثقافية تاريخية في أروقة المتحف مع الأستاذ عبدالعزيز الأمر الذي يمنحك بعدا آخر ويأخذك نحو الإرث الحضاري والتاريخي لمملكة البحرين وثقافته الأصيلة ونحن نتّبعه غير قادرين على إثارة أي تساؤل نظرا للشرح الوافي الذي قدمه أثناء الجولة كمتخصص في الموروث وخبرة توارثها عن والده رحمه الله في استقبال محبي البحرين وثقافته التاريخية ، وفي اليوم التالي كان لابد من التجوال في المدينة الحالمة المنامة التي توحي بالهدوء التام وبتفاصيل تثير الانتباه ، المنامة المدينة التي تفارق اسمها فلا تنام ، تتيح لك قضاء يوم ماتع وفرصة حافلة بالفسحة والاستمتاع ، وتمنحك الدخول إلى عوالم المدينة القديمة التي تكتظ بكل معاني الجمال ، المنامة القديمة المطرزة بالمنازل التاريخية والممرات العتيقة حيث للأشياء هناك متعتها ورمزيتها وتمنح المكان حالة من الجلال والجمال ، وفي ثنايا هذه المدينة الحالمة تجبرك خارطة الطريق للوصول إلى أحد الأماكن العامرة للرواد الأوائل من رجالات البحرين وهو حسين محمد شويطر رحمه الله الذي ارتبط اسمه بالصناعة والتجارة والأثر الاجتماعي والثقافي في البحرين وكانت السعادة غامرة بلقاء الأستاذ فؤاد حسين شويطر الذي يسير على درب الأسلاف بعطاء ممتد بعد أن خلد الذكرى العطرة بمكان يستقبل فيه الضيف في رواق الشركة مع متحف متكامل وطواقم استقبال ومرشدين للسياح وغير بعيد في الاتجاه المقابل معمل حلوى شويطر حلوى البحرين الشهيرة التي امتازت بنكهة خاصة عن غيرها ، الأمر الذي يعكس مدى الاهتمام بالإرث التجاري لأسرة شويطر وما كانت عليه البحرين من جوانب اقتصادية مهمة وتزال تتوارث مع الأجيال. تلك هي رحلة سفر إلى مملكة البحرين الشقيقة كان خاتمها مسك في لقاء مع محافظ المنامة الشيخ راشد بن عبد الرحمن آل خليفة يحفظه الله برفقة الأستاذ عبدالعزيز بوزبون الحمادي ومنسق اللقاء الشخصية الاجتماعية المألوفة الأستاذ مبارك المغربي الذي كان حفيا بنا وقد اسمعنا ما يسر الخاطر ويبهج النفس أما اللقاء مع الشيخ راشد كان لقاء ود تلحظ فيه الإخاء الممتد بين بلدينا وفيه محبة للناس ، وقد أسعدنا بابتسامته وببشاشة وجهه وطلاوة لسانه ونفسه التي تفيض تواضع وإنسانية ، وفي مجمل زيارتنا لهذا البلد العظيم تختلف في متعتها كمكان وإنسان يستحق أن يعرفه الجميع ، وأجزم أن كلما حاولت التوغل في أعماق المكان في مملكة البحرين حتما سوف تنتقل إلى فجر التاريخ وتأخذك مظاهر الحضارة هناك إلى دلمون القديمة بكل أبعادها وحضارتها وسياقها التاريخي وذاك مسار آخر يطول الشرح فيه .