الخطاط الذي كتب شعار الحج « يسر وطمأنينة»..

عبيد النفيعي : الخط العربي هو فن الأمَّة .

الخطّ الجميل يُزينُ الكلام، ويُضفي عليه رونقاً وبهاءً، وقد أحسن الشاعر حين قال: «تعلم قوام الخط يا ذا التأدُّب ِ.. فـما الخط إلا زينة المتأدِّب»، إذ أن حسن الخط وجمال رسم أحرفه يعدان من الفنون التي تُبْهِجُ الأبصار، وتظل الخطوط الجميلة مرموقة، مُبهرة للأعين والقلوب، وتترك بصمة جمالية تبقى في الذاكرة. ضيفنا في المرسم لهذا الأسبوع هو خطاط ورسام سعودي معروف ومحكم مُجاز للخط العربي وفائز بجوائز محلية وشارك بفعاليات عالمية، تتميز أعماله بقدرتها الفائقة على نقل جماليات الحرف العربي إلى أبعاد أخرى أخاذة، دون الإخلال بقواعد الخط أو أصالته، إنه الخطاط السعودي «عبيد النفيعي»، الذي التقيناه وأجرينا معه هذا الحوار: * في البداية؛ كيف كانت بداياتك مع فن الخط العربي، وما الذي ألهمك للغوص في هذا العالم الجمالي الفريد؟ ** * البدايات قديمة منذ المرحلة المتوسطة، أي قبل ٣٠ عاما تقريبا، عندما وقع في يدي كتاب الخطاط العراقي هاشم محمد الخطاط، واطلعت على الكتابات وبدأت بتقليدها ومعرفة أنواعها والتدرب عليها زمنًا طويلًا، ومع تقطعات زمنية في الاهتمام بالخط استقر الاهتمام بصورة أوضح ومن خلال منهجية معينة وذلك بعد المرحلة الجامعية والتي أعقبها لقاء عميد الخطاطين السعوديين، الأستاذ ناصر الميمون، ونيل الإجازة الخطية منه. * لا يمكننا أن نتعمق في الحوار، دون أن تكون بدايتنا بهوية «يسر وطمأنينة» التي أبدعتها بخط الثلث والتشكيل على حروفها وتحمل أيقونة الحرمين، حدثنا قليلًا عن تلك الهوية التي صاحبت حج هذا العام؟ ** تم كتابة الهوية بخط الثلث بأسلوب يجمع بين الوضوح والسهولة والرؤية الفنية التي تتمثل في روحانية الجملة، فكلمة يسر تمثل فيها اليسر، واختيار أسهل حالة فنية للكلمة، وكلمة طمأنينة ظهر فيها معنى الطمأنينة والارتياح من خلال الإرسال بين النون والتاء المربوطة، وتم بحمد الله اختيار هذا الأسلوب بعد كتابة عدة نماذج فنية ونلت شرف المشاركة في هذا الموسم العظيم. * من بين الأنواع المختلفة للخط العربي؛ كالكوفي والنسخ والديواني والثلث وغيرها، أيّها تجد نفسك أكثر ارتباطًا به، ولماذا؟ ** ارتباطي الأكبر هو مع خطي الثلث والنسخ، يليهما خط النستعليق، ثم باقي الخطوط، ومع محبتي لكل الخطوط وقدرتي على كتابتها بحمد الله، أجد نفسي دائما ميالًا لخطي الثلث والنسخ لقدرتهما على التناغم فيما بينهما ولأصالة هذين الخطين وعمقهما الفني، فإجادة الخط مرهونة بإجادتهما أولًا. * هل ترى أن التكنولوجيا الحديثة لها تأثير إيجابي أم سلبي على فن الخط العربي؟، وبرأيك هل يمكننا الاستفادة منها لتعزيز فن الخط العربي؟ ** بلا شك أن للتكنولوجيا والتقنية تأثيرًا إيجابيًا في حال استخدمها الفنان والخطاط استخدامًا جيدًا، فيمكن للخطاط الاستفادة من التقنيات السريعة لتقليص وقت الإنجاز من خلال برمجيات التعديل على الصور، كبرنامج إليستريتور مثلا، فبدلا من التعديل على المخطوطات بالطريقة الكلاسيكية من خلال الطاولة الضوئية أومن خلال ورق الشفاف، يمكن ذلك بالبرامج الحاسوبية بشكل أسرع شريطة أن يكون العمل الفني من إبداع الخطاط، إضافة لإمكانية إبداع أعمال فنية بأشكال متعددة تتيحها البرامج الحاسوبية من تغيير للألوان والخلفيات وإظهار المخطوطة بصيغة إلكترونية عالية الدقة. * في ظل التكنولوجيا أيضا؛ كيف تقيّم وضع الخط العربي في الوقت الحالي في بلداننا العربية؟ ** لا يزال الخط العربي يحتاج دعمًا أكبر من خلال دعم الخطاطين المجيدين والبارزين، وإتاحة الفرصة للجميع من مبدأ تكافؤ الفرص بمنافسة شريفة تتيح للجميع الاسهام بما يستطيع لرفع فن الخط العربي، وفن الخط يحتاج تقعيد أوضح لمبادئه وجعلها متاحة نظريًا للتطبيق من خلال كراسات تدريبية ودروس تعليمية نوعية ومبتكرة. * لديك لوحات إبداعية بأسلوب حروفي تشكيلي؛ مثل لوحة «مهابٌ في الأنام» التي تجسد قصيدة (سلمان الشهامة) لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله)، حدثنا عن هذه اللوحة والأسلوب الذي استعملته لتخرجها بهذا الشكل البديع. ** هذا أسلوب معروف يجمع بين الخط العربي والتوزيعات اللونية بما يعرف بفن الحروفيات، وهو فن يكون الحرف العربي عنصر أساسي أو غير أساسي فيه بناء على فكرة ونظرة الفنان، واللوحة المذكورة لقصيدة خادم الحرمين الشريفين (سلمان الشهامة) لقائلها الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد تم تنفيذها من خلال طبقات لونية تكرارية بخط النسخ بنفس أبيات القصيدة مع ترميز صورة خادم الحرمين الشريفين بكتابة أبيات القصيدة في حيِّزها. * الخط العربي حيثما ظهر بهر، فكيف توازن بين الالتزام بالقواعد الصارمة لفن الخط العربي وبين إضافة لمساتك الشخصية وإبداعك الخاص في أعمالك؟ ** يستطيع الخطاط المحترف التمييز بين النقاط الثابتة للخط العربي وبين النقاط المتغيرة من خلال اطلاعه على التجارب الخطية ومعرفته بالطريقة التي مر عليها الخط أثناء تطوره عبر الزمن، ويستطيع بعد ذلك في إضافة لمسات فنية وذوق خاص يعبر عن شخصية الخطاط ورؤيته الفنية. * حدثنا قليلًا عن نادي منتدى الخط العربي لهواية فن الخط العربي، والذي يعدّ أحد أندية منصة هاوي، التي هي بدورها إحدى مبادرات (برنامج جودة الحياة)؟ ** نادي منتدى الخط العربي أحد الأندية التي ستجمع الخطاطين في مدينة الرياض خصوصا، وفي المملكة عموما، وستوجِّه جهودهم للأفضل وفق برنامج يحوي لقاءات فنية وورش عمل ودورات تطبيقية وندوات حوارية، وبحمد الله وصل عدد الأعضاء لرقم ممتاز، ونتطلع للمزيد وسيبدأ النادي نشاطاته مع بداية العام الدراسي القادم بإذن الله. * لديك شغف كبير لتعليم الخط العربي للناشئة ونشر ثقافة الخط وتحفيز الأجيال الجديدة على إتقان هذا الفن العريق، إلى أي مدى تجد استجابة تلك الأجيال؟، وبرأيك هل مدارسنا تعاني من نقص المنهجية الواضحة لتدريس الخط العربي وتعليم قواعده؟ ** هناك استجابة طيبة من الطلاب ومن البيئة التعليمية عموما وهناك مواهب كبيرة تنتظر من المهتمين تسليط الضوء عليها ودعمها وتوجيهها للأفضل، فالحاجة ملحة لوضع برامج مستدامة لتحسين خطوط الطلاب وفق أسهل الطرق وأنجعها، ولابد من وضع مادة دراسية تُعنى بتحسين الخط ومعه معالجة المشاكل الإملائية وتكثيف لمبادئ وقدرات التعبير الكتابي والشفهي، إضافة لمواد دراسية فيها دروس الخط العربي وإبضاحات وتطبيقات لبرامجه وفنياته، والاستفادة كذلك من قنوات التواصل الاجتماعي لإيصال الفكرة بالطريقة المشوقة والمثالية. * هل يمكنك أن تشاركنا بعضاً من تجربتك مع المعارض والفعاليات الفنية؟، وبرأيك كيف تسهم هذه المنصات في نشر وترويج فن الخط العربي؟ ** شاركت في معارض متعددة منها معرض رحلة الكتابة والخط الأول والثاني، وكذلك معارض مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض في عامي الخط العربي والشعر العربي وغيرها، هذه المعارض هي السبيل لكي يتعرف الخطاط على المجتمع الخطي ويتعرفون عليه إضافة لصقل الموهبة وكسب الثقة ودفع النفس لبذل المزيد لتطوير نفسه والاستفادة من تجارب الخطاطين ونقدهم. * ختامًا؛ ما هي النصيحة التي تقدمها للشباب الراغبين في تعلم فن الخط العربي، وكيف يمكنهم تحقيق التميز في هذا المجال؟ ** الخط العربي هو فن الأمة، وكذلك هو فن النخبة، فالخطاط الحقيقي يتسامى عن كل نقيصة ويدعو لكل فضيلة، وهو كاتب آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أجاد الخط فقد اصطفاه الله لذلك، فليخلص وليبذل ويحترم من سبقوه ومن علموه، ويأخذ العلم ممن هم أهله وألا يجعل هذا الفن العظيم وسيلة لمكاسب شخصية ضيقة، ويدعم من هو أقل منه ويوجهه كما يرجو ذلك لنفسه.