من أم حديجان إلى شباب البومب وأسامة المسلم..

أصوات سعودية تصنع التأثير.

رغم أن كثيرًا من هذه الأعمال ليست جديدة على الساحة، إلا أنها ما تزال حاضرة بقوة في الذاكرة الثقافية السعودية، وتلعب دورًا متجددًا في تشكيل ملامح القوة الناعمة للمملكة. من المسلسلات الشبابية مثل “شباب البومب”، إلى روايات الخيال والأسطورة لأسامة المسلم، مرورًا بحكايات أم حديجان الشعبية، ووصولًا إلى النقد الاجتماعي الجريء في “طاش ما طاش”، وجهود الروّاد مثل محمد العلي وبكر الشدي في تأسيس المسرح والتلفزيون، وحتى نجوم الكوميديا الحديثة كفايز المالكي ومحمد العيسى، والمبدع راشد الشمراني الذي أجاد توظيف البُعد النفسي في أعماله—تتعدد هذه الأصوات وتتنوع، لكنها ما تزال تمثّل وجدان المجتمع، وتواصل التأثير في وعي الجمهور. هذه الأصوات ليست مجرد ترفيه، بل هي جزء من القوى الناعمة للمملكة العربية السعودية، حيث تعكس روح المجتمع وتساهم في تشكيل هويته الثقافية. إنها تعكس قصصًا متنوعة تُروى للعالم، وتجسد القيم والتحديات والأحلام التي تشكل شخصية هذا الوطن. شباب البومب.. صدى الجيل الرقمي شباب البومب» ليس مجرد مسلسل، بل هو مرآة لجيل نشأ في زمن الإنترنت السريع، حيث تنتقل الأخبار والأفكار بضغطة زر. مع أكثر من 40 مليار مشاهدة على المنصات الرقمية مثل تيك توك ويوتيوب وسناب شات، أصبح هذا العمل رمزًا لثقافة الشباب، لغة جديدة مليئة بالاختصارات والرموز الرقمية، ومواقف يومية تحاكي واقعهم بصدق ومرح. هذا الانتشار الهائل يعكس ليس فقط الشعبية، بل أيضًا قدرة المسلسل على التواصل مع جيل جديد يعيش في عالم تكنولوجي سريع التغير، مما يجعله أداة فعّالة للقوى الناعمة السعودية. أسامة المسلم .. الخيال بلا حدود في زاوية أخرى من المشهد الأدبي، نجد أسامة المسلم، كاتب يتحدى القواعد ويكسر حدود الخيال. رواياته مثل «خوف»، التي تجاوزت مبيعاتها المليون نسخة، تأخذنا إلى عوالم حيث يلتقي الماضي بالحاضر، والخيال بالحقيقة. المسلم لا يكتب فقط للترفيه، بل يقدم تجربة فكرية تدعو القارئ للغوص في أعماق النفس البشرية وفهم المعاني الخفية بين السطور. إن هذه المبيعات العالية تعكس شهية القارئ العربي للخيال الراقي والروايات التي تتجاوز الحدود التقليدية للأدب، مما يعزز من حضور الأدب السعودي عالميًا. أم حديجان نبض التراث وروح البساطة أم حديجان شخصية تجسد دفء التراث وحكايات الأجداد. بأسلوبها العفوي ولهجتها المحلية، تقدم دروسًا في الحكمة والحياة الشعبية، مضيفة نكهة خاصة للعالم الكوميدي الخليجي. هي ليست مجرد شخصية فكاهية، بل رمز لتراث لا يزال ينبض بالحياة، مما يجعلها جزءًا من الذاكرة الثقافية للمنطقة، ومصدرًا للقوة الناعمة التي تعكس ثراء التراث السعودي. طاش ما طاش.. صوت المجتمع إنه المسلسل الذي كسر الحواجز وتناول المواضيع الشائكة بشجاعة وذكاء. مع أكثر من 18 موسمًا وعشرات الحلقات التي تتناول قضايا المجتمع السعودي بشكل ناقد ومباشر، أصبح طاش ما طاش جزءًا من الثقافة الشعبية، حيث لا يزال الكثيرون يتذكرون مقاطعه الساخرة ويناقشونها حتى اليوم. هذا التأثير العميق يظهر مدى قدرة المسلسل على التعامل مع القضايا الحيوية بطريقة تجعلها قريبة من قلوب المشاهدين. محمد العلي وبكر الشدي .. من رواد الدراما والمسرح لا يمكن الحديث عن الإبداع التلفزيوني والمسرحي في السعودية دون الإشارة إلى الرواد مثل محمد العلي وبكر الشدي. فقد كان لهما دور محوري في بناء أسس الفن المسرحي والتلفزيوني، حيث قدما أعمالًا خالدة ساعدت في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع السعودي. محمد العلي، بموهبته الفريدة، ساهم في تقديم شخصيات واقعية تمثل عمق الحياة السعودية، بينما كان بكر الشدي رمزًا للتنوع والابتكار في الأداء، حيث تمكن من تقديم أدوار معقدة ومؤثرة في تاريخ الدراما السعودية. فايز المالكي ومحمد العيسى .. الكوميديا بوجه إنساني رمزان للكوميديا السعودية الحديثة. استطاعا بموهبتهما الفذة تقديم شخصيات متنوعة تتراوح بين الفكاهة والنقد الاجتماعي، مثل شخصية «مناحي» التي أصبحت رمزًا للبساطة والسخرية العفوية. أما العيسى، فتميز بأدواره التي تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، مقدمًا شخصيات تحمل بُعدًا إنسانيًا يجعلها قريبة من المشاهدين. كان لهما دور كبير في تطوير الفن الكوميدي السعودي ونقله إلى مرحلة جديدة من الاحترافية. راشد الشمراني ..العمق النفسي في الأداء أحد أبرز الأسماء في الدراما السعودية، حيث تميز بقدرته على استثمار الجانب النفسي في بناء شخصياته. قدم أدوارًا معقدة تجسد الصراع الداخلي والنفسي للشخصيات، مما يضيف بُعدًا أعمق للأداء. كان له حضور قوي في أعمال مثل «طاش ما طاش» و»بيني وبينك»، حيث نجح في نقل تعقيدات النفس البشرية إلى الشاشة بمهارة فريدة، ليصبح أحد الرواد في تقديم الدراما النفسية في العالم العربي. نوافذ جديدة في المحصلة، لا تقتصر هذه الأعمال على الترفيه، بل تمثل واجهة ثقافية تعبّر عن المجتمع السعودي بأبعاده المختلفة. إنها تسرد قصصًا من القلب، وتطرح أسئلة حيوية، وتقدّم نماذج إنسانية تجذب المشاهد والقارئ على حد سواء. وبين الضحك والتأمل، وبين التراث والابتكار، تواصل هذه الأصوات السعودية رسم ملامح التأثير الثقافي، وتفتح نوافذ جديدة نحو العالم عبر قوة ناعمة تنبع من الهوية وتطمح إلى الحضور. *أكاديمي مهتم بمجال الإعلام التنموي -جامعة أم القرى- قسم الإعلام.