التشكيلية السعودية زينب ابو حسين:

المدرسة العربية في المنمنمات مدرسة مغيّبة.

الفنانة زينب أبو حسين تتجذر في عمق أصالتها قبل أن تسمو بفن المنمنمات الذي اختارته أو اختارها لا فرق حيث تكون المحاكاة تقمُّصا لذاكرةٍ بعيدة يقتربُ الفنان -من خلالها- ليجد نفسه شاخصا أمام منجز حضاري يمتدُّ كما يتفرع و يشكل أبعاده المعرفية من وعي الإنسان لثقافته و محيطه ؛ هكذا تبدو فنانتنا التي تُحاصر فكرتها باللون كما تُحاصرها الألوان بقريحة سائلة تتدرج في بلوغ النهايات و بالطبع لانهاية للفن لكن : ثمة وقفة أو توقف عند تجربة معينة نستطيع أن نتداولها بعين واسعة و نتحاور معها بمقدار اتساعها ربما نجد أفقا للتحليق أو التأمل ، لذلك نلملم إجابات زينب أما بعثرة أسئلتنا التي تُشبه بعضها كي تتشبه بها لا كي تُشابِهُها ... إنها رحلة وليست محطة معها وإليها : * فن المنمنمات سواء في الصين او في بلاد فارس بدا وكأنه حكاية مدونة فنيا ، كيف ترين ذلك؟ إن فن المنمنمات الذي أهتم به تحديدًا هو فن المنمنمات العربي. هذا الفن، الذي نشأ متأثرًا بالكتب المترجمة، تطور ليصبح أسلوبًا فنيًا قائمًا بذاته، وأنا أسعى جاهدة لإحيائه وتجديده. قد يُعرّف فن المنمنمات بأنه فن تزيين المخطوطات، وسواء كان هذا المصطلح هو الأدق أم لا، فإنه لا شك في وجود تشابه وتقاطع بين مختلف تقاليد هذا الفن. لكن ما يصب فيه اهتمامي هو المدرسة العربية في المنمنمات، وهي مدرسة مغيّبة ولم تسبر أغوارها بعدُ. في عملي، أستلهم هذا الفن الأصيل الذي لا ينفصل عن فن الزخرفة والخط العربي، والذي يُعد جزءًا أساسيًا من صناعة الكتاب العربي قديماً. أما تسمية “المنمنمات” فهي تسمية حديثة نسبيًا ويمكن تفصيلها في مناسبة أخرى. أما عن انشغالاتي في الفن، فإني أمارس نوعين من الأعمال الفنية: منمنمات تتبع الأساليب والتقنيات التقليدية، وفناً معاصراً يستلهم روح المنمنمات ويعكس الحياة اليومية بموضوعاتها المتنوعة وتجربتي الشخصية.  * في تجربتك هناك دمج بين المعاصرة والتراث وكأنك على خطى الجدات في الحكايات القديمة تستندين على خزين أصيل، ما القصة؟! بالتأكيد، فني يمزج بين المعاصرة والتراث. أرى في التراث مصدر إلهام ثريًا، حيث يمكننا الاستفادة من أدواته وتقنياته. لكن السؤال يظل: أي تراث نستلهم منه على التحديد؟ ففي نهاية المطاف، لا يمكننا بلوغ المستقبل ما لم نعبر جسرًا يبدأ من ماضينا مرورًا بحاضرنا ومنه إلى مستقبلنا. إن طريقة تعامل الفنانين مع التراث واستحضاره في أعمالهم تختلف تبعًا لأسلوبهم ورؤيتهم الفنية، وهذا هو ما يميز كل فنانٍ عن الآخر. ما هو تعريف التراث؟ أو بالأحرى، ما هي صناعة الإرث بكل جوانبها؟ هل هي اللغة وحدها؟ أم تاريخنا ومكوننا الثقافي برمته؟ أسعى لدمج هذا الإرث بكل أبعاده، بالتأليف بين عناصر تراثية متنوعة في علاقات جديدة ومبتكرة، وأتخير عناصر التأليف في كل مرة. هويتي الثقافية هي الأساس، لها الأسبقية على أي هويات ذات طابع أعم. كثيرا ما اشتغلت على الربط عناصر متنوعة كالمواد التراثية، والحكايات الشعبية، وفن الخط العربي، والشعر، وعناصر الطبيعة كالشجر والبحر، وحتى تفاصيل معمارية كالبيوت القديمة وحكاياتها.   * شاركت في متجر البينالي الإسلامي مؤخرا وكانت أعمالك حول البساتين في منمنمات رائعة، لماذا البساتين والحياة واسعة جدا؟! شاركت في متجر بينالي الفنون الإسلامية بنسخ منمنمات من أعمالي، نفذتها بالطريقة التقليدية. من بين هذه الأعمال، كانت منمنمات تصور البساتين؛ حيث استلهمت الفكرة من المفهوم الإسلامي للجنة ووصفها في التراث. جاء هذا الاختيار متناغمًا ومتلائمًا مع طبيعة البينالي الإسلامي وموضوعه لهذا العام تحت شعار “وما بينهما”، ومنسجمًا مع روح المتجر الذي يمثل جزءًا من تجربة الزائر للبينالي، ويتيح له اقتناء أعمال فنية تخلد له تجربته. لقد صُمم متجر البينالي ليكون جزءًا لا يتجزأ من تجربة الزائر. يبدأ الزائر رحلته باستكشاف معارض البينالي التي تحتضن قطعًا وتحفًا وكنوزًا من الفنون الإسلامية التاريخية من مختلف حقب ومناطق العالم الإسلامي. ثم يعبر صالات الفنون الإسلامية المعاصرة، ويختتم رحلته في المتجر الذي يجمع في معروضاته بين الفن التقليدي والمعاصر، ليتمكن الزائر من اقتناء تذكار يثري تجربته. لقد سعدت بأن تكون أعمالي من بين الأعمال المعروضة في المتجر، لتكون ذكرى قيّمة للزوار المقتنين.  * كان لك مشاركة في معرض دبي العالمي للفنون بقطع كبيرة، حدثينا عن هذه المشاركة ومتى تقدم الفنانة ابو حسين معرضها الخاص بالمنمنمات بشكل موسع؟ في معرض فنون العالم دبي لهذا العام، شاركت في جناحي الشخصي تحت عنوان: “ما الذي صنعت النخلة بشعر جدتي”. قدمت عملًا فنيًا كبيرًا مؤلفًا من ثلاثة أقسام، كل منها عبارة عن معلّقة جدارية. استوحيت هذا العمل من فن المخطوطات الإسلامية واستلهمت جماليات فن المنمنمات، لكنني قدمته بأسلوب معاصر باستخدام القماش والألوان الطبيعية - وهي مواد لها حضور قوي في التراث. طرّزت المعلّقات بيدي لأنسج وأروي حكايات محلية عن جزيرتي، تاروت، ونخيلها، مستلهمة الحكايات الشعبية والفلكلور الذي كانت تحكيه لي جدتي. إنها حكايات رمزية تربط بين النخيل والمرأة والأمومة، وهي القصص التي تتناقلها الجدات للأمهات لتصل إلى الحفيدات، تراث شفهي أحببت أن أعبر عنه بصورة بصرية ومرئية. لقد كانت التجربة مؤثرة بشكل ملحوظ على الجمهور والزوار الذين توافدوا على المعرض من مختلف الجنسيات، القريبة والبعيدة عن المنطقة. وصفوا التجربة بأنها حنونة، تلامس القلب وتتحدث إليهم بلغة عالمية إنسانية تتجاوز الحواجز.  * ما رأيك بالحركة  الفنية في المملكة؟ تمر الفنون البصرية في المملكة حاليًا بمرحلة نمو وازدهار سريع ومتفجر لم تشهدها البلاد من قبل. يعود هذا الزخم إلى الانفتاح والتراكم الثقافي والمعرفي الذي ترسخ في الماضي، والذي وجد الآن الفرصة لينهل وينمو بفضل الإمكانيات المتاحة والدعم الكبير المقدم من جهات عدة، وذلك نراه في مشاريع  هيئة الفنون البصرية ومعهد مسك للفنون، بالإضافة إلى الاحتفالات الضخمة مثل نور الرياض واالبيناليات. إننا اليوم نعيش مرحلة تاريخية بالنسبة للفنون في المملكة، حيث تتوفر إمكانيات واعدة لجميع أنواع الفنون والأساليب، التقليدية والمعاصرة على حد سواء. وخلال السنوات القادمة، ستظهر نتائج هذا النمو السريع والدعم المتواصل بشكل جلي. * كانت بعض اصدارات الكتب القديمة تضمنت في المنمنمات الاسلامية بشكل واضح وصريح، مثل مقامات الحريري، الاغاني ل ابي فرج الاصفهاني، كليلة ودمنة، وكتاب البيطرة؛ برأيك لماذا غاب هذا الفن في الكتب الحديثة؟!! كانت عملية صناعة الكتاب في الماضي أشبه ما تكون في “ورشة” عمل متكاملة، تضم الخطاطين و المزخرفين ومجلدي الكتب والرسامين، حيث كان لكل فرد في الورشة مهمة محددة في سير العمل. لقد كانت صناعة الكتابة فنًا متكاملًا ومتقدمًا. بعض هذه الكتب كانت تُصنع بجودة عالية وعلى الخصوص تلك التي تهدى للسلاطين والحكام والوجهاء، فكانت تُزين بماء الذهب وتُنفذ منمنماتها على يد أهم الفنانين والخطاطين والمزخرفين ذوي المراس الرفيع. أما اليوم، فيرتبط مفهوم الكتب المصورة غالبًا بكتب الأطفال والمانغا والرسوم التوضيحية وهو أمر مؤسف. لكن ربما يكون هذا التحول في صالح فن المنمنمات، ليتحرر من قيود الكتب ويُنظر إليه كفن قائم بذاته ويظهر في أشكال جديدة.  * كنا نقول دائما، المعرفة اولا. ثم يأتي البرت اينشتاين ليقول: الخيال أكثر اهمية من المعرفة. ؛ ابو حسين ماذا تقول؟ ما الفرق بينهما؟ في الواقع، يبدو أن الخيال يستمد قوته غالبًا من المعرفة، وقد تبدأ المعرفة من شرارة خيال. شخصيًا، أحمل شهادة البكالوريوس في علوم الفيزياء، وقد درست الفن. وخلال ممارستي الفنية، أجد صعوبة في فصل هذين الجانبين عن بعضهما البعض؛ فني يتغذى من معين الخيال والعلم معًا. الفن الإسلامي، على سبيل المثال، يعتمد بشكل كبير على الرياضيات والعلوم، وهو ارتباط وثيق لا يمكن فصله. والمنمنمات العربية الأولى ظهرت في الكتب العلمية، مما يدلل على أن الفن والمعرفة كانا متلازمين منذ القدم.  * في حين يقول لنا المدرس في المدرسة درب عينك على رؤية الجمال دوما. يأتي فاسيلي كاندينسكي ويقول: على الفنان ألا يدرب عينيه فقط، بل يجب ان يدرب روحه كذلك.؛ كيف لنا ان نفعل ذلك؟!  إن مهارة التذوق الفني والاستمتاع بالفن وفهمه، كأي مهارة أخرى، يشبه تمامًا عضلة تحتاج إلى التدريب المستمر. يتطلب ذلك مشاهدة الأعمال الفنية بانتظام والتغذي بصريًا، بالإضافة إلى التعلم والتثقف والمشي على خطى الفنانين، ومحاولة فهم دوافعهم والتعمق في تجاربهم وأعمالهم وتاريخها. من المهم كذلك الاستماع إلى الفنانين أنفسهم والتعمق في موضوعاتهم وعيش الفن بكل جوانبه. مع مرور الوقت، تتراكم المعرفة ويتسع الخيال وتصبح الأعمال الفنية مقروءة نشعر بها ونعيها على مستوى آخر من التقدير.   * في فعاليات قراءة لوحة التي جمعتك مع الروائية علوية صبح في مهرجان القراءة، حدثينا عن هذه التجربة وماذا أضافت لك؟ لقد كانت تجربة جميلة حقًا أن أرى نفسي وفني من خلال عيون روائية كبيرة ومبدعة كعلوية صبح. كانت تجربة “قراءة لوحة” تجربة استثنائية. ترتبط أعمالي بشكل وثيق بالحكاية - فهي تحكي قصصًا. وكنت قد قرأت للكاتبة علوية صبح وأحببت أسلوبها الفريد في فن الحكي، فقد انسجمنا كثيرًا في الأمسية. قرأت أعمالي بعين مختلفة ، وشعرتُ بتناغم لافت بين أعمالي وأسلوبي في سرد الحكايات وبين أسلوبها الأدبي الذي قرأني بعين الروائية الخبيرة . * ماهو مشروعك القادم وهل من افكار فنية مستنيرة قادمة في الطريق؟ هناك مجموعة من المشاريع والأفكار. هناك في الوقت الحاضر تعاون ومشاريع مع جهات داخل وخارج المملكة، بعضها قارب على الظهور وبعضها قيد العمل. إنتاج الأعمال الفنية عبارة عن رحلة للفنان يستكشف فيها نفسه والفن ويبحث .. وكم تطرأ على الفنان تغييرات في رحلاته. سأبث جديدي على قنواتي الاجتماعية في الانترنت وأوافي الجمهور بكل جديد.