عائدة..

تقبض على جواز سفر قاتم يشبه الأيام التي تهرب منها.. تفيض ملامحها بالعجز والوهن والكبر ، وهي ابنة الثامنة عشرة.. تهيم خطواتها التائهة بين حشود المسافرين، تتفحص الوجوه، تبحلق في الشاشات، لا تتردد أن ترفع صوتها البدوي العفوي عند طرح الأسئلة الفضولية.. تبث حزنها على مقاعد الانتظار.. تسكب معاناتها في آذان الغرباء دون تحفظ. بعد هذه الفوضى البريئة التي تخلقها تعود إلى مقعدها ترقبه يطل عليها من بين القامات المتناثرة في الصالة.. عادت لتثرثر : هو أكبر مني بسنتين ،خلّصْ علامَهْ شويْ ، ما فات على الجامعة ، بس هو أحسن مني أنا ما رحت على المدرسة ولا بعرف أقرأ .......... أقبل، رغم بنيته الهزيلة وملامحه القلقة إلا أنه يواجه العالم بوجه جاد وقلب جسور.. يغلب عليه الصمت رغم أنه من الواضح يحمل صخبا كبيرا داخله، وهذا هو الفرق بينهما. يقتربان من بعضهما..تحدثه كثيراً وهو منشغل بهاتفه.. ابتعدتُ عنهما قليلا.. ننطلق إلى استخراج بطاقة صعود الطائرة وشحن الأمتعة.. من بعيد ألمحها تضرب رأسها وبصوت مرتفع تعترض على طلب تقليل محتوى الحقيبة.. تتخلص من الملابس..تبقي على ألعاب أطفال ذات قطع صغيرة تبدو مستعملة.. تعود إليّ..تفتح شاشة الهاتف أمامي : هذي بنتي مريضة أنا خايفة تموت قبل ما أشوفها.. كم ساعة باقي لنا لنصل إلى بلدنا؟! رسالة واردة تقطع تأملها لصورة ابنتها.. يخطف الهاتف من بين يديها.. تنهمر دموعه وهو يهرب بين الناس.