الكتابة في زمن الخوارزميات!

يقول صديقي مازحًا: “أنا أول من يضع إعجابًا لما أكتبه، لأنني لا أرى أحدًا سواي!” عبارة تبدو ساخرة، لكنها تختصر شعورًا يتسلل إلى جملة من الكتّاب في زمن الإعلام الرقمي. فهل ما نكتبه حقًا لا يجد من يتابعه؟ هناك من يطلب من أبنائه وأقاربه أن يضعوا إعجابًا أو تعليقًا على ما يكتبه، لعلها تكون بادرة تُلفت الانتباه إلى نصّه وسط زحام المنشورات. لكن برأيي، هذا السلوك لا علاقة له بجودة الطرح من عدمه، بقدر ما يعكس حاجة الإنسان الطبيعية للشعور بالتقدير والانتباه. فرغم أن أدوات المنصات الحديثة تكشف لك عدد مرات الظهور والمشاهدات، إلا أن الغياب الظاهر للتفاعل يترك أثره النفسي، ويدفع الكاتب إلى التساؤل: هل وصلت كلماتي حقًا؟ أم أنها عبرت الشاشة دون أن تترك أثرًا؟ الخوارزميات بطبيعتها تميل للمحتوى السريع والجاذب بصريًا: الصور، المقاطع المختزلة، العناوين اللافتة. أما النصوص الأدبية التي تحتاج تأملًا وقراءة متأنية، فتغيب عن دوائر الضوء رغم قيمتها. وهي وإن لم تنتشر رقميًا، تبقى محل إعجاب داخل المجالس الثقافية، وتصل للناس حين تُقرأ وتُتداول شفهيًا، في دلالة على أصالتها وقوة أثرها. نحن نعيش زمن “التمرير السريع”، وزمن المقاطع الخاطفة مثل Reels على إنستغرام وTikTok، وهي فيديوهات قصيرة مصمّمة لجذب الانتباه خلال ثوانٍ معدودة، حيث يغدو التفاعل ابن اللحظة، ولا مكان فيه للتروّي. هذا ما يجعل كثيرًا من النصوص العميقة تبدو ثقيلة أو خارج السياق العام. ثمّة أيضًا من يتردد في التعليق على نصوص الأدب والمقال الجاد، خشية أن يبدو غير متمكن، بعكس جمهور المؤثرين، الذي يرى أن كل تفاعل مرحب به، ولو كان بلا مضمون. الأدب ينقصه فقط المنصة الثقافية التي تحمله. وغالبًا ما يفشل في الوصول إلى جمهوره بسبب غياب الترويج، بعكس المؤثرين المدعوم عدد منهم بفِرَق تسويق محترفة. ولا يعني غياب التفاعل ضعف النص أو الكاتب، بل خللًا في آليات التلقي. وعلى الكاتب الجاد أن يُعيد النظر في طريقة تقديمه، دون أن يُفرّط بجوهره. فالكلمة الأصيلة تعرف طريقها، وإن طال السفر. وعلى الكاتب أن يخوض غمار هذه الوسائط بقوة إذا أراد لوصوله سبيلا، وكما قال الشاعر: إذا لَم يَكُنْ إِلّا الأسِنّةَ مركبٌ فَلا رأيَ للمَحمُولِ إلّا ركُوبها