موسى الذي سحرنا بلا عصا.

فاجأني اتصال في العام 2007م من صاحب صوت فخم تخرج نبراته من أعماق حنجرته وسأل، الأستاذ صالح الديواني، فتهيبته، إلا أنه رحمني حين قال أنا موسى محرق من قناة الأثير، فاعتدلت على المقعد ورحبت به، فأكمل قائلاً، سيكون لنا زيارة قريبة للمحافظة ويسعدني أن تكون ضيفي في وصلة خاصة للحديث عن اللجنة النسائية التي وصلني أنك كنت تقف خلف تأسيسها مع أصدقاء آخرين، فرحبت به مجدداً وكانت سعادتي غامرة مرتين، باتصاله وخبر الاستضافة. كنت أعرف موسى من قبل ذلك ولكن على نحو خجول. حين وصل فريق القناة إلى محافظة المسارحة كان أول سؤاله عني، وكان أول سؤالي عنه، وحين وجدته أمسك بيدي وانتأينا إلى إحدى زوايا الحديقة التي اتخذت مكاناً لتسجيل حفل المحافظة في تلك الليلة. تحدثنا عن اللقاء الذي سنجريه، فقال لي حاجة بسيطة وسريعة، وكنت أعلم أنه كان يطمئنني -بذكاء الكبار- كي لا أرتبك أثناء المقابلة التي تُبث على الهواء مباشرة، لكنني ارتبكت من هيبة موسى والكاميرا، على الرغم من أنني أكبره بأحد عشر عاماً، فقد كان في السابعة والعشرين واثقاً. توطدت علاقتنا مع مرور الأيام وأصبحنا أكثر قرباً بزياراته لمجلسي في المسارحة مع عدد من الأصدقاء، وأكرمني بإدارة إحدى الجلسات الثقافية. وحين أصبح مديراً لمكتب صحيفة الوطن في جيزان كان موسى زائراً شبه دائم لمجلسي في إحدى السنوات، إذ كنت قد أصبحت كاتب رأي في صحيفة الوطن منذ 2011م، وقد كان موسى مهتماً بقضية تلاعب بصكوك أراض بالقرب، فكان يجري اتصالاته ومقابلاته ويضع الخطوط العريضة لذلك التحقيق الصحفي ويكتب مادته الصحفية، ويسري بسيارته ليلاً للبحث عن الحقيقة.. لقد كان موسى أميناً تحت الضوء وفي العتمة. انقطعنا بعض الوقت عن اللقاءات بسبب مشاغل الحياة، لكننا لم نقطع التواصل، وأظنه كان مستاءً من عدم ترشيحه للفوز بجائزة الأمير محمد بن ناصر في عز حضوره، وحين سألته عن أحواله، قال، لقد قررت أن أشتغل على نفسي بشكل مختلف من اليوم وصاعداً، وقد فعلها موسى ونأى بنفسه بعيداً عن رمادية الصورة.. وذهب قريباً من موسى. التقينا لاحقاً لآخر مرة في 2023م بمقهى الجريون بالقاهرة بصحبة الأديب الراحل محمد زايد الألمعي، قضينا وقتاً ممتعاً ثم توجهنا إلى شقة الألمعي الذي وعدنا بجلسة أدبية وعشاء من يده، وفي الطريق ونحن نستقل السيارة كان الألمعي في المقعد الأول، وكان موسى يجلس إلى يساري في المقعد الخلفي، وسط أجواء عظيمة الحياة، قلت له: اشهد ياموسى على أبي عبدالخالق، لقد وعدني بإصدار ديوان شعري خاص عبر دار متون للنشر التي أملكها في القاهرة، بعنوان كذا.. فاندهش من العنوان وكاد يطير من الفرح، وقال «أشهد وأشهد وأشهد.. واحنا في ذيك الساعة يابوعبدالخالق». وصلنا شقة الألمعي وأكملنا جلستنا التي بدأت في المقهى، لكن موسى لم يتأخر كثيراً واستأذن وغادر بعد اعتذاره لتجهيز نفسه للسفر ووعدنا بزيارة، لكنني فُجعت بخبر رحيله الصاعق…في السابع عشر من يونيو 2025. لقد سحرنا موسى بدون عصا من أول يوم.. رحمه الله