سعر العقار الذي لا يُرى !

الأرقام لا تنطق، لكنها تهمس بالحقائق لمن يجيد الإصغاء إليها، فقد ظلّت تهمس طويلًا حتى جاء التوجيه الكريم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – يحفظه الله – ليلة عيد الفطر المبارك 2025، ليعيد ترتيب السوق ويكشف رسائلها بوضوح أكبر، ويدفع مرحلة تصحيح حقيقية لإعادة التوازن وضبط حركة الأسعار، دعماً للرؤية المباركة 2030، وترسيخاً للعدالة والشفافية ومحاربة المضاربات العشوائية. ومع هذا التحول، برزت فجوة دقيقة قد لا يلتفت لها الكثير: كيف يمكن أن تعكس الإعلانات العقارية الواقع كما هو، لا كما كُتب في عقودٍ وقعت في أوقات وأسعار تجاوزها السوق سريعاً. فمن خلال عملي في العقار منذ 1980م ومتابعتي لحركة العقود والإعلانات في الوقت الحاضر، يتبين أن التحدي ليس في توثيق السعر بحد ذاته، بل في التزام المعلن بسعرٍ قد يصبح غير منطقي مع تغير السوق نزولاً، فالنظام الحالي يهدف إلى حماية البائع وضبط الإعلانات، وهو هدف مشروع وضروري لحفظ الثقة. لكن الثقة نفسها قد تتضرر حين يكتشف المشتري أن السعر المعلن لا يحاكي الواقع الحقيقي. فكما هو معلوم، فإن البيع والشراء يظلان رهينة موافقة الطرفين وتوثيقهما، بينما الإعلان يجب أن يعكس الواقع حتى لا يتحول إلى واجهة صورية لعقدٍ لا يساير السوق. في الأسواق العالمية المتقدمة مثل كندا والولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، نجد أن الإعلانات العقارية تُحدّث أسعارها لحظياً بناءً على آخر مستجدات السوق، مع بقاء التوثيق النظامي قائماً لحماية حقوق المالك. وبهذا يتحقق التوازن بين الشفافية وحماية الأطراف، إذ إن إلزام المعلن بسعر ثابت رغم تغير السوق قد يخلق فجوة ثقة بين راغبي الشراء والوسيط والمنصة الرسمية. والنتيجة أن البعض يلجأ إلى بدائل غير نظامية أو يتهرب من المنصات الموثوقة، وهذا يناقض روح التنظيم الذي نسعى إليه جميعاً. لذلك أجد أنه من المهم مراجعة هذا الجانب التنظيمي بدقة من قبل الهيئة العامة للعقار، وإتاحة المجال لتعديل الأسعار وفق المعطيات الواقعية، مع بقاء التوثيق ملزماً وحامياً للطرفين. فنجاح السوق العقاري في تحقيق التوازن لا يتوقف عند ضبط الأسعار ومنع المضاربات فقط، بل يحتاج أدوات مرنة تحاكي حركة السوق لحظةً بلحظة. تلويحة ختام: الأرقام قد تصمت على الورق، لكنها تهمس بالحقيقة دائماً لمن يختار أن ينصت جيداً.