فياغرا

(يا سيدي المخترع العظيم / هذا رجاء شاعر ينوح/ لا على شباب سيفه / لكن على أمته القتيلة / يا سيدي المخترع العظيم / يا من صنعت بلسما / قضى على مواجع الكهولة / وأيقظ الفحولة / أما لديك بلسم / يعيد في أمتنا الرجولة؟) هذا النداء الفاجع، لمتعدد المواهب الراحل الدكتور غازي القصيبي، حين قرأته احتشدت الدموع في قلمي المسكين، وسمعته يقول لي بحزن عاصف: أرجوك دعني من عبء التعليق على هذا الجرح النازف منذ قرون، وخض في أي موضوع آخر تجدني حصانا أين منه (مكر مفر) وأمثاله من العنتريات العتيقة المتجددة؟ فقلت له بصدر ضيق حرج (كأنما يصعد في السماء) أي موضوع تحب أن نخوض فيه، وكأننا نسبح في بحر؟ فقال بدون تردد: كن طاووسا نقديا متجاوزا واكتب عن الحداثة، وحين تفرغ، اكتب عما بعد الحداثة، وأطل الوقوف هنا( حتى يلجّ بعذلك الركب) فسوف لن يفهم أي قارئ ماهي هذه الما بعد حداثة، فيعتبرك فيلسوفا ولد في أثينا من جديد، ليعلم الناس طريقة التفكير والذي ينير ما ومن حوله معا، فينقشع ظلام الجهل، ويهبط السلام على الأرض. هنا وقعت على كنز لغوي لا ينفد ما فيه من درر الكلمات، فبدأت أغرف من هذا الكنز، ولكن طلع أمامي شبح مبهم يرسم لعيني علامة الاستفهام (؟) التي فسرتها بأنه يقول: ما هذا الهذيان التي تقول؟ ألا تعرف أن في القاموس كلمة (فاقع لونها) اسمها الخجل؟ تكلم بكلمات حبلى أو اسكت. أما سمعت بالمثل الشعبي (يا زينك ساكت؟) بلى. سمعت، ولكن ماذا أقول لقلمي وقد اعتاد أن يزج بنفسه في الهواء، ويعشق الغيم؛ لظنه أنه حبر؟ قل له: أيها القلم الأعشى، ألا تعرف العقل الباطن الذي يصنع الأحلام والكوابيس؟ اذهب إليه، وبعد أن تدغدغه ببعض الكلمات السارة، اطلب منه أن يلهمك كابوسا أسود، يلائم ما أنت فيه من التمرغ في الشعر المحزن كشعر الشاعر القصبي، وأمثاله من الشعراء الذين بنوا من الشعر سرادقا لرثاء المدن وما فيها من الذكريات والأماني، أو حلما أبيض يصورك جالسا على البحر، متمتعا برقص أمواجه وبضحك زرقته، وبتخيّل ما فيه من كنوز أخرى تسر الناظرين