خلال المؤتمر السابع للحوار الخليجي-الألماني..
تركي الفيصل:التعاون الخليجي-الأوربي ضرورة لتجنب الانزلاق إلى زمن الوحوش.

قال صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية والرئيس الفخري للحوار الخليجي-الألماني: إن العالم يعيش لحظة انهيار للنظام الليبرالي الدولي الذي حكم العلاقات الدولية طوال الثمانين عامًا الماضية، مشيرًا إلى أن النظام الجديد لم يولد بعد، لكن ملامحه تتشكّل في أجواء مضطربة وصفها بأنها تشبه “زمن الوحوش”، في استعارة مأخوذة من الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي بعد الحرب العالمية الأولى. جاء ذلك في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الأمير تركي خلال المؤتمر السابع للحوار الخليجي-الألماني حول الأمن والتعاون، الذي عُقد في برلين يوم الإثنين 27 ذي الحجة 1446 هـ، 23 يونيو 2025 م، تحت عنوان “شراكة إستراتيجية جديدة في نظام عالمي جديد”. وأوضح سموه أن شواهد التفكك العالمي تتجلى في الحروب المتتابعة، من العدوان الإجرامي على غزة، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وصولًا إلى الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وإيران، فضلًا عن السياسات الأحادية التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تقوّض القواعد والأعراف الدولية. وقال: “كنا جميعًا مستفيدين من النظام الدولي القائم، وأخشى أن نكون من ضحاياه إذا لم نتدارك خطر ما هو قادم”. ولفت سموه إلى أن دول الخليج وأوربا كانت من أبرز المستفيدين من النظام الدولي القائم خلال العقود الماضية، محذرًا من أنها قد تتحول إلى ضحايا إذا لم تستجب بشكل جماعي وفعّال للمتغيرات الجيوسياسية العميقة التي يشهدها العالم. ودعا الأمير تركي إلى توثيق الشراكة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوربي، مشددًا على أن العلاقات الثنائية الجيدة بين الطرفين لا تكفي لمواجهة التغيرات الجيوسياسية العميقة. وأضاف أن التعاون الإستراتيجي يجب أن يتخطى النطاق التقليدي ليشمل ملفات حيوية مثل استقرار سوريا، والاعتراف بدولة فلسطين، والتصدي لما وصفه بـ “الوحوش في تل أبيب”، إلى جانب المساهمة في بناء نظام عالمي تعددي جديد. ورأى سموه أن دول مجلس التعاون نجحت في بناء نموذج للاستقرار والازدهار في منطقة تعاني التوترَ، مُرجِعًا ذلك إلى استقرار الأنظمة السياسية وآليات انتقال السلطة فيها، وهو ما مكّن القيادات الخليجية من التركيز على تنمية شعوبها، وتوظيف الموارد لرفع مستوى المعيشة، وتحقيق السلام الاجتماعي. وأشار إلى أن هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا رسوخ الأنظمة السياسية واستقرار عملية انتقال الحكم، وهو ما أتاح للحكومات توجيه الموارد نحو رفع مستوى المعيشة، وتحقيق السلام الاجتماعي، في مقابل فوضى عانتْها دولٌ إقليمية أخرى. وفي سياق حديثه عن رؤى التنمية، أشار الأمير تركي إلى أن رؤية السعودية 2030 ونظيراتها في دول الخليج تعبّر عن مسارات واثقة نحو المستقبل، لكنها تظل رهينة بوجود بيئة دولية مستقرة وآمنة، تتخلى عن السياسات التي زعزعت المنطقة طويلًا وحرمت شعوبها من مستقبل أفضل. وقال: “لا يمكن أن يتحقق نجاحنا الكامل دون إقليم مستقر، وتعاون بنّاء، ونظام دولي يُدار بحسن نية، ويكفل الأمن والفرص للجميع”. وأضاف سموه أن دول مجلس التعاون باتت اليوم في موقع يسمح لها بلعب دور بنّاء في قيادة المنطقة نحو السلام والأمن، وأن تكون صوت الحكمة في عالم مضطرب، رغم بقاء العديد من التحديات كأخطار قائمة تهدد مستقبل الإقليم والعالم. وختم الأمير كلمته بالإشارة إلى مقال سابق كتبه في نشرة “برلين بولس” بعنوان “عالم يبحث عن الحكمة: أين ألمانيا؟”، حيث دعا فيه ألمانيا إلى الاضطلاع بمسؤوليتها التاريخية في قيادة الجهود الدولية نحو نظام عالمي جديد. وأكد أن التجربة الألمانية، بما تحمله من دروس قاسية عن الحروب وتبدلات النظام العالمي، تجعل من ألمانيا دولة مؤهلة لقيادة التغيير نحو نظام أكثر عدلًا وتوازنًا، وأن اعترافها بالدولة الفلسطينية سيكون خطوة عادلة وضرورية لترجيح كفة الاستقرار في المنطقة. وأضاف أن التاريخ أثبت أن الأفعال غير المحسوبة، مهما كانت نياتها، تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، مستشهدًا بتجارب العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، وانتهاءً بالهجمات الأخيرة على إيران. وكان المؤتمر قد ناقش آفاق تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وألمانيا والاتحاد الأوربي، في مجالات الأمن والسياسة والاستقرار الإقليمي، ضمن عالم يزداد اضطرابًا، وتُعاد فيه صياغة التوازنات الدولية.