تأويل حلكة النَّص

وأنا أقرأ قول الله تعالى: (كلَّما أضاءَ لهم مشُوا فيه)، تذكَّرتُ قصةً روتها جدتي عن رجلينِ توَّهما أنَّهما سرقا بقرةً، كانَ اللَّيلُ حالكَ الظُّلمة، وكانَ أحدُهما يجرُّ البقرةَ والآخرُ يتبعُها، وفي لحظةٍ أبرقتِ السَّماءُ فبدَّد اللَّيل حلكته، لحظتَها ارتعبَ التَّابعُ؛ إذ رأى أنَّ ما سرقاهُ ليس بقرةً، لم يقُل لصاحبهِ شيئًا، فركَ عينيهِ يتنظرُ لمعانَ البرقِ مرةً أخرى ليتأكَّد، عندَها خافَ مما رأى، وقالَ لصاحبِه: - إذا أبرقتِ السَّماءُ فانظر لوجهِ الغنيمةِ، ولاذَ بالفرار. وتكملُ جدَّتي أنَّ الرجلَ عندَما أبرقتِ السَّماءُ نظرَ خلفَه فأدركَ أنَّ رحيلَه عن الدُّنيا باتَ أقربَ إليه من حبلِ الوريدِ، نظرَ عن يمينهِ فلمحَ جذعَ شجرةٍ عتيقةٍ فتسلَّقها حتَّى بلغَ أعلاها منتظرًا ضياءَ الصَّباح!! *** يمكنُ أن نقرأ القصَّة من أكثرَ من زاويةٍ، زاويةُ الرفقةِ، وزاويةُ الفعلِ وجزاؤُه، وعليهِ فنحنُ في هذه الحالة قراءُ مضمونٍ، ولا نكترثُ بجماليَّاتِ القصة، ولا يهمُنا سوى القيمةِ الأخلاقيَّة التي يمكنُ أن نخرجَ بها من النصِ، ويمكنُ أن ننظرَ في تكوينِ القصَّة: في طبيعةِ شخصياتها، وحركةِ المشهدِ السَّردي، وطبيعةِ المكانِ والزمانِ. هنا تستوقفُكَ القصَّة بفضائِها المعتمِ، والشكلِ الذي يتناسبُ مع هذا الإعتامِ، ولأنَّ فعل الشَّخصيتينِ ليس سويًا، كانَ اختيارُ الفضاءِ لازمًا بشكلٍ يحققُ مشروعيَّة الفعلِ، ليلٌ دامسٌ، وبرقٌ يضيءُ للحظاتٍ فقط، وفي هذا يتسلَّلُ القارئ ليملأ الفراغاتِ الَّتي أتاحَها النصُّ لمتلقيهِ!! قارئ القصَّة يحتاجُ أن يضعَ في ذهنه كيفيَّةَ القصِّ لا موضوعَ النَّص، فالموضوعُ في القصَّة يؤثرُ في بنائها؛ حتَّى يخرجَ من المعنى الجاهزِ، إلى المعنى السَّرديّ الَّذي يقبلُ التَّأويلَ، يمكنُ أن نسألَ: ماذا سرقُوا؟ ولماذا سرقُوا؟ وكيفَ سرقُوا، لكنَّ هذه الأسئلةَ أجوبتُها في بناءِ القصَّة. في الآدابِ والفنونِ يجبُ أن يكونَ الشكلُ هو التَّعبيرُ الأمثلُ عن المضمونِ.