(نبوة)

منذ تلك الليلة مُتُّ، لكنهم لم يجدوا جثتي، وتفرق دمي بين الليالي، فلم يعرفوا من قاتلي!، أنا الناجية من حروب الأبد، شاهدة العيان الوحيدة، ويداي داميتان وعلى فمي دمٌ كذب. ‏إنه ليس دمي، بل دماء القبيلة ودم الذئب، وصوتي عواء لا ينقطع. ‏حتى حين أنام بعينيّ المفتوحتين أنظر للسماء وألتحف الجثث، أُقلِّبها لأرى مكاني، لكنهم في نشرة الأخبار لم يجدوني وأعلنوا فقدي. ثم لعنوني وبالت الكلاب فوق اسمي وتحت ثيابي. ‏وكان الليل باردا والبحيرة تجمدت وكذلك عظامي. ‏حفيف الأشجار غاباتٌ من صافرات الإنذار، تخترق مسمعي وتصم قلبي المرتجف، ثم حين صعقوني بالكهرباء لم أعد للحياة ولم أذهب إلى البرزخ، كنت هناك في جحيم الزمهرير، هكذا أخبرتني الملائكة وهي تقلب صحائفي فلم تجد لي عملا صالحا، ويا لدهشتهم حين لم يجدوا ذنوبي! ‏أعرف أني لم أفعل شيئا بحياتي، لم أستعملها. أعدتها لهم مغلفة جديدة بيضاء كما كانت يوم مولدي. ‏وأبي لم يتذكرني حين أخبروه بموتي، حتى لو لم يكن مصابا بالزهايمر كان لن يتذكرني أيضا. بينما انسلت دمعة وحيدة من عين أمي مسحتها وأكملت حياكة القميص في يدها. ‏لم يكن قميصي ولا قميص إخوتي. كان قميصا أزرق، اللون الذي تحبه هي وأحبه أنا لذات السبب. ‏في تلك الليلة خرجت للعب داخل غرفة عمليات غريبة بأجهزة مضيئة ملونة مثل كرنفال وأعياد لأطفال لم تنجبهم أمهاتهم بعد.. أجهضتُ هناك، وشقوا صدري فلم يجدوا قلبا. هكذا تحدث الطبيب مع الممرضات. لكنهم وجدوا مكانه زنبقة زرقاء خالية من الأكسجين فاستأصلوها وتركوني لا ألوي على شيء وصوتي عواء. ‏في السرير المجاور كانوا يزرعون جناحين صناعيين لملاك سقط من السماء السابعة فتكسرت أجنحته وأضلعي. لم تسنح له فرصة كي يبلغني رسالتي.