
صدر أخيرا للأستاذ الدكتور عامر الحلواني كتاب جديد بعنوان « بنات الرياض لرجاء الصانع بين رهان الإبداع وتناهج المباشرة: قراءة الاختلاف». يتألّف الكتاب من 267 صفحة، ويتضمّن مقدّمة وفصولا سبعةً، فصلا أوَّلَ مفهوميّا اهتمّ بقضايا المصطلح ( الإبداع والرهان )، وفصلا ثانيا ناقش فيه المؤلِّف إشكالية المنهج وخصوصية المقاربة وإجراءاتها التطبيقية. وفصلا ثالثا عالج فيه قضية العتبات، وهي العتبة العنوانية والعتبة التجنيسية والعتبة الإهدائية: دلالاتها ورهاناتها في « بنات الرياض». وفصلا رابعا حلّل فيه الدكتور الحلواني العتبات التصديرية ونوافذها في بنات الرياض، وتوقّف في هذا الفصل عند ثلاث نوافذ أساسية، تدور النافذة الأولى على تشكيل عاطفة الحب، وتبحث الثانية في تشكيل بنية الفكر، وتهتمّ الثالثة بتشكيل عاطفة الدين. أمّا الفصول الخامس والسادس والسابع فركّز فيها المؤلف على البنية الفنية لرواية بنات الرياض من حيث هي جنس أدبيّ جامع يتقاطع فيه السّرد مع الشعر، ومن حيث هي نوع أدبي جامع تتجادل فيه الكتابة الترسّلية الإلكترونية مع الكتابة الروائية، ومن حيث هي شكل إبداعيّ جامع تتفاعل فيه آليات الكتابة السّيرية الترسّلية مع تقنيات أربعة فنون هي تقنيات الكتابة السينمائية والكتابة المسرحية والفنون الموسيقية والفنون التشكيلية. وتوّج المؤلّف كتابه بخاتمة تأليفية ومسردِ مصطلحات مترجمٍ من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية، وقائمة المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات. واللّافت للانتباه في هذا الكتاب أنّ مؤلِّفه الدكتور عامر الحلواني قدّم مقاربة مختلفة عن السائد من القراءات لرواية بنات الرياض، ومن وجوه طرافة هذه المقاربة التي سمّاها « تناهجية» أنّها تعاملت مع القضايا المطروحة في هذه الرواية والفنون المتشكّلة منها باعتبارها قيما إنسانية كونية، وفي إطار علاقةٍ ثلاثية تجمع بين حركية الرهان وحيوية السؤال ودينامية المنوال، فكلّما تغيّر الرّهان، تبدّل السؤال، وكلّما تبدّل السؤال تجدّد المنوال. ومن خصائص هذه المقاربة المختلفة لرواية بنات الرياض أنّ المؤلّف لم يقدّم المفاتيح النظرية التي قادته إلى هذه المقاربة التناهجية، فلا طائل من وراء ذلك، في نظره، بل قد يقلّل ذلك من شأن القارئ الذي لا يكتفي بالاطّلاع على مضمون التحليل، بل تقوده القراءة إلى اكتشاف القواعد النظرية غير المرئية من خلال سيرورات التحليل والتأويل. وهذا أمر مخالف لما جرت به العادة. العادة التي وَفْقَها يقدّم الباحث نظريته، ثمّ يحلّل في ضوئها مجموع القواعد المتحكّمة في بناء النصوص. هكذا تحفر رواية « بنات الرياض» لنفسها مجرًى مخصوصا سلكه الدكتور الحلواني وسار في شِعابه ومِهاده ووِهاده ونِهاده. وهو يؤكّد بذلك وبطريقة ضمنية ومعلنة في آن معا، أنّ الإسناد في تقرير المعنى إلى رواية « بنات الرياص» يناظره إسناد إلى الكيفية التي يتلقّى بها القارئ هذا الرواية وإلى العلامات التي يُنتجها سلوك شخصاتها وتأويلها باعتبارها حالة ثقافية منتجة للمعاني والدلالات. ومن نتائج هذه القراءة المختلفة أن اعتبر المؤلّف رواية «بنات الرياض» نصّا فنيا عابرا للزمن والإدراك والثقافات والتّخصصات والجماليات، ومنوالا كتابيا تلتقي فيه قوة الفنّ ورهاناته وتحدياته مع آليات تكنولوجيا التواصل، تأسيسا لمجتمع المعرفة حيث الائتلاف والانسجام داخل إطار التنوّع والاختلاف. فالكتاب في أصله رسائل إلكترونية مشفّرة، استطاعت الكاتبة أن تنشئ بها نوعا من الكلام متفردا ومتمرّدا على التصنيف والتحديد والتنميط، ومنفتحا على الحياة اليومية للمواطن السعودي والإنسان عموما، وشواغله الذاتية والاجتماعية والفكرية والكونية، في عالم تعدّدت فيه الثّقافات واختلفت التّصورات وتباينت فيه الرّهانات في أغلب الأحيان. هو الإبداع يَعْبُرُ حياة الإنسان فيعيد تشكيل وعيه ولاوعيه، وبناء شخصيته وتطهير عقليته من الشعوذة والأوهام وتنمية ذائقته الفنية والجمالية، وتخليص نفسيته من التناقضات والانفصامات، وتسليحه بالمعرفة السليمة التي تقيه الانزلاقات الاجتماعية والانحرافات السلوكية والخيبات العاطفية. ومن نتائج هذه القراة المختلفة أيضا أنّ رجاء الصانع حاولَت أن تُحلم نصّها الإبداعي، بأنموذج المرأة السعودية القادرة على قهر ما يمثّل وَهَنًا في أنوثتها وابتزازا لجسدها بإعادة صياغتهما صياغة جديدة تفتح لها فهما جديدا للحبّ ودواعيه وطرائق ممارسته ومعوقاته ونتائجه، وبابا طريفا من أبواب نحت الوجود، بعد أن خاضت تجربة السلطة الذكورية وتجربة الاغتراب النفسي والاجتماعي والثقافي والحضاري والفكري. هكذا اجتهد الدكتور عامر الحلواني في محاولة استكناه خصائص هذا النص الإبداعية والوقوف على الكيفيات التي تغدو بمقتضاها مكوّناتٌ من جمالية الفنّ وجمالية السرد وجمالية الكتابة والتّأليف والتّرسّل شيئا آخر غير الذي كان، عبر تحوّلها إلى فضاء تواصلي جديد ومستحدث من وسائل التواصل مُتعدّدةِ المنصّات، باستخدام مباشرة تناهجية مختلفة، استلهم أدواتها الإجرائية من مختلف بنى هذا النص الإبداعي ورؤاه، بعد مساءلته وتدبّر مقاصده ورهاناته، في ضوء تحديث مستمرّ لمناويل القراءة وأدوات الفهم والتفكيك والتركيب والتأويل، عساه يقترب أكثر ما يكون الاقتراب من «بنات الرياض» باعتبارها نصّا يأبى الاستقرار، ويتأبّى على التنميط والتسييج، ولكن خارج القيود العلموية الضيّقة والأكاديمية الصارمة التي تكبح في الناقد لذة الكتابة ومتعة الاكتشاف، وبمنْأى عمّا تدّعي الكاتبة أنّها كانت تنوي قوله باعتباره معطًى دلاليّا مباشرا ونهائيّا، ما يجعله مُقَيّدا بأفق واحدٍ للمباشرة.