هل المعلم السعودي مستعد لتعليم الجيل الرقمي؟

في عصر تتسارع فيه المعرفة وتتغير فيه الوسائط كل ستة أشهر، لم تعد الفجوة بين المعلم والطالب تُقاس بالعمر الزمني، بل باتت تُقاس بمدى إلمام كلٍّ منهما بالتقنية، وقدرته على توظيفها في إنتاج المعرفة. نحن أمام جيل رقمي نشأ في فضاء تفاعلي، يتعامل مع الشاشة أكثر مما يتعامل مع الورقة، ويبحث عن المعلومة قبل أن تُقدَّم له، ويتفاعل مع الذكاء الاصطناعي كما لو كان صديقًا حواريًا. في المقابل لا يزال بعض المعلمين يمارسون التدريس بأساليب تقليدية، تعتمد على التلقين، وتُقلّص من مساحة التفكير، وتُبقي الطالب في موقع التلقي السلبي. وهنا يظهر التساؤل الحتمي: هل المعلم السعودي اليوم مستعد فعلًا لتعليم هذا الجيل الرقمي؟ أم أن الفجوة الرقمية التربوية تهدد فاعلية المدرسة ذاتها؟ لقد بذلت وزارة التعليم جهودًا مشكورة في تدريب المعلمين على الأدوات التقنية، لكن الواقع يؤكد أن استخدام التقنية لا يكفي ما لم يصاحبه تحول في الفكر التربوي، بحيث يُعاد تعريف دور المعلم من ناقل إلى ميسّر، ومن منفّذ للمحتوى إلى مصمم لتجربة تعلم غنية ومتصلة بعالم الطالب. فالجيل الرقمي لا يستجيب للشرح الممتد، ولا يحتمل الحفظ المجرد، بل يبحث عن الصورة، والتجربة، والمشاركة. وإذا لم يتفاعل المعلم مع هذه الطباع بوعي تربوي، ولم يُدمج التقنية بطريقة ذكية، فسيجد نفسه معزولًا في صفّه، مهما امتلك من إخلاص أو خبرة. التحول نحو تعليم هذا الجيل لا يتطلب أدوات فقط، بل بيئة مهنية داعمة. فبرامج إعداد المعلم يجب أن تُدمج الكفايات الرقمية ضمن بنيتها، لا أن تتركها لمساقات منفصلة أو دورات عابرة. كما أن المدرسة يجب أن تُحفز الممارسات الرقمية، لا أن تُراقبها بريبة، وتدعم المعلمين المتميزين ليصبحوا قادة تعلم رقمي داخل فرقهم. بل أكثر من ذلك، نحن بحاجة إلى تغيير ثقافة المدرسة من الداخل؛ لتصبح بيئة تعلم مرنة تتقبّل التغيير، وتسمح للمعلم بالتجريب، وتوفر له محتوى رقميًا جاهزًا ومفتوحًا للتخصيص، وتُقدّر الأداء الإبداعي لا الالتزام الحرفي. إن التحدي الحقيقي اليوم ليس في امتلاك الأجهزة، بل في فهم عقلية الجيل، وإعادة هندسة الممارسات الصفية بما يتواءم مع تطلعاته وسرعة عالمه. التقنية ليست تهديدًا لدور المعلم، بل فرصة لتوسيع أثره، وتحرير وقته للمهام التي لا يمكن أن تُؤتمت: بناء العلاقات، وإثارة الأسئلة، وتحفيز الإبداع. وختامًا إذا كنا نريد تعليمًا يليق بمستقبل المملكة، فعلينا أن نبدأ من المعلم. لا نُثقل كاهله بالمطالب، بل نُؤهّله، ونُمكّنه، ونُرافقه في التحول، حتى يصبح هو الجسر الحقيقي بين الأصالة والتجديد، وبين السبورة والواقع.