الشعر… حين يطلّ في تغريدة.

منذ أن خطّ الشعر السعودي خطواته الأولى نحو العصر الحديث، احتلّ مكانةً ثقافيةً خاصة؛ إذ كان لسان المجتمع ومرآة وجدانه، وحافظة مشاعره، ووعاء هويته. لم تكن القصيدة نصًّا لغويًّا فحسب، بل كانت ساحةً تتلاقى فيها الذات مع الجماعة، ومنبرًا للتعبير عن المواقف في مواجهة المتغيّرات. وفي زمن الصحافة الورقية والمجلات الأدبية، كان الشعر السعودي يتبوأ موقعه الأبرز، حتى أضافت القنوات الفضائية بُعدًا جديدًا من خلال البرامج الشعرية والثقافية، قبل أن تأتي منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها منصة X، لتُحدث تحولًا جذريًا في طبيعة تلقي الشعر وانتشاره. اليوم، أصبح الشعر في متناول الجميع، يُكتب ويُنشر ويصل إلى المتلقي في لحظات، دون وسيط ثقافي يتحكم بمصير النص، بل في فضاء مفتوح يتيح للشاعر المعروف والمبتدئ على حد سواء الوصول إلى جمهور واسع، متجاوزًا حدود الجغرافيا والزمن. وقد فرضت المنصة الرقمية إيقاعها الخاص على النص الشعري؛ إذ باتت الذائقة المعاصرة تميل إلى الإيجاز والكثافة والمباشرة، مع أثر عاطفي ظاهر منذ السطر الأول. ولذا، تخلّت القصيدة في كثير من الأحيان عن زخرفها البلاغي التقليدي، واتجهت نحو البساطة الموحية بالعمق، وإلى التلميح الموجز الذي يغني عن الإطالة. كما ازدادت مساحة العامية السعودية في النصوص المنشورة، لا بوصفها لغة أقل شأنًا، بل لأنها أقدر على ملامسة الوجدان الشعبي وإثارة التفاعل. تغيّر الإيقاع الشعري كذلك؛ فلم يعد مقيدًا بالبحور الكلاسيكية، بل أصبح يستمد موسيقاه من التكرار، والتوازي، والتقفية الحرة، بما يتناسب مع طبيعة النشر السريع والتلقي اللحظي. وعلى المنصة، لم يعد النقد حكرًا على النخب أو المؤسسات الثقافية، بل أصبح جمهور X يمارس دوره النقدي مباشرة من خلال التعليقات وإعادة النشر. وهذا التفاعل الفوري يمنح النص فرصة للانتشار، لكنه قد يدفع بعض الشعراء إلى مجاراة الذائقة الرقمية السريعة على حساب العمق الفني، مما يحوّل الشعر أحيانًا إلى منتج رقمي أكثر من كونه تجربة جمالية متكاملة. ورغم ذلك، أتاح هذا النقد الشعبي مجالًا رحبًا لتعدد القراءات، ومنح الشعراء فرصة للاستماع إلى أصوات لم تكن تصلهم عبر القنوات التقليدية. ولم تعد القصيدة بحاجة إلى منبر ورقي أو أمسية رسمية؛ ففي فضاء X قد يكفي منشور قصير ليصل إلى جمهور هائل، ويصبح كل إعجاب أو إعادة نشر وسيلة دعائية مجانية. وبعض الشعراء استثمروا هذا الواقع بذكاء، فأرفقوا نصوصهم بتصاميم بصرية أو مقاطع صوتية تُثري التجربة وتضاعف الانتشار. لكن هذا النمط من التسويق يحمل مخاطر، أبرزها تحوّل هدف النص من التعبير الصادق إلى الاصطياد الرقمي للإعجابات، وهو ما قد يضعف القيمة الفنية إذا لم يكن الشاعر واعيًا بتوازن المعادلة. وفي زمن المنصات الرقمية، لم يعد الشعر تعبيرًا داخليًا فحسب، بل أصبح خطابًا جماهيريًا يتفاعل مع اللحظة الراهنة؛ فقد يكون البيت الشعري عزاءً، أو احتجاجًا، أو دعوة للتضامن، والجمهور لا يكتفي بقراءته، بل يشارك في إعادة إنتاج معناه عبر التفاعل. لقد غيّرت منصة X جمهور الشعر، ومع تغيّر الجمهور تغيّر الشعر نفسه، من حيث لغته وإيقاعه وأساليبه. ومع ذلك، لم يفقد الشعر جوهره الجمالي، بل وجد في الفضاء الرقمي فرصة لتجديد حضوره، والاقتراب أكثر من نبض الناس. وكما قيل: «وسائل الإعلام الجديدة لم تقتل الشعر، بل أخرجته من عزلته إلى جمهور متجدّد في كل لحظة».