مسالك الراحلين

ليتَ الذي أسرى بنا يُبقينا أسرى لديهِ. ويصرفُ الباقينَا ويعيدُ توجيهَ الرياحِ لكي يرى من كان عن طُهرِ الندى يقصينا نحن الذين يحُفُنا ويضمُنا القلبُ الكبيرُ محبةً ويقينا لم نَدْرِ ما وقعُ الفراقِ على المُنى حتى توارى الركبُ عن وادينا وتوزعتْ حِسمى مواجِعَنا وقد نقشتْ مواطئَ عابريها فينا وتوسدتْ صبرَ الجهاتِ ولَم تزلْ والصبرُ أوجعُ ما يكونُ قرينا وصريرُ بابِ الليلِ في أعقابِنا شيخٌ تذمرَ لوعةً وأنينا ماذا على الناجينَ لو لم يعبروا إلا وقدْ ملؤوا الجهاتِ حنينا ؟ لم يتركوا إلا رباً مسكونةً بالريحِ تعزفُ لحنَها المحزونا لمًا تزاورَ ليلُهم عن شأنهم وتمرأوا شمسَ الضُحى عارينَا رحلوا بلا جهةٍ كأن مصيرَهم لا موتَ لا ثُكلاً ولا تأبينا وغدوا على حرْدٍ وفي أعناقِهم أسماؤهم ليسوا بها واعينَا يتهامسونَ: أمِنْ هنا أمً مِنْ هنا ؟ فكأنهم زَرعوا هناك ظُنونا! سقطوا وما انتبهوا لوقع سقوطِهم كانوا بدفنِ شعورِهم لاهينَا يتْلونَ وِرْدَ الصمتِ. حتى لم يعد في الصمتِ متسعٌ لما يتلونَا يتجردون من المُنى تلو المُنى ضجَراً. ويشتاقونَ. يشتاقونَ! وإلى تخومِ غدٍ رَنَتْ أبصارُهم واهينَ مغلوبينَ مذهولينَا قيل: احملوا أحلامَكم وتفرقوا قالوا: وهذا الجمعُ لا يعنينا سنظلُ أوفى الراحلينَ لأمسِنا فأَجِزْ عقالَ العيسِ يا حادينا واسْلُكْ بنا ما شئتَ لم تَعُدِ الخُطا -مهما نأتْ عن ظِلِّنا - تُقْصينا