دموع في محل الألعاب

لا يمكن تخطي صوت الانكسار في داخل الروح إلا عندما تفجرت أنهار الدموع من العين سخية علّها في تدفقها ذاك تزيل ألم ذلك الكسر وتجعل ملوحتها تداوي ذلك الجرح , هذا ما شعرتُ به وأنا أقف وقفتي تلك، وأُهمهم في داخلي : وهل هناك جرح وانكسار أشد من انكسار أُمٍ تجر صغيرتها من أمام واجهة محل لُعبْ الأطفال لأنها لا تمتلك ثمن تلك اللعبة . كانت صغيرتي تنظر بعين المعجب الشغوف لألعاب رُصت في أنحاء المتجر بطريقة جميلة تجعلك تتسأل عن جمال ذلك المنظر وروعة ذلك المحل الذي يسحرك بريقه فما بالك بطفلة صغيرة تود أن تكون ضمن أولئك الصغار من أقرانها الذين يذرعون المحل يمينا ويسارا ويركضون بين جنباته ليختاروا لتلك الدمى ملابسها وأحذيتها بل وشُنَطِها يا سيدتي يحدث أمام ناظر صغيرتي وأنا لا أملك إلا أن أجرها من أمام طلبها البسيط والذي من حقها كطفلة أن تحظى به ولكن أسعار تلك المحالّ التي تتجاوز الألف ريال تجعلني عاجزة عن تحقيق طلبها البسيط ذاك، فأجُرها وقد تحولت رغبتها إلى تشبث عجيب جعلها قطعة من صخر عاتية تأبى التزحزح من مكانها ومن يشاهد ذلك المنظر يقول ما أقسى قلب تلك الأم وتأخذه الرحمة بصغيرتي فيقومون بنهري وكأن رحمتهم تلك استحالت خنجرا ينغرس بقلبي وأنا أشعر بقسوتي تلك وعجزي ومذلتي التي تدفعني لحمل صغيرتي وأنا أهمس واعدة إياها أني سأحضرها مع حلول الراتب لتشتري ما تريد , فتنظر لي نظرات يا سيدتي ملؤها الرجاء والاستعطاف لتقتل ما تبقى من تجلدي فأشيح عنها وقد انهمرت دموعي. كان هذا الحديث لعاملة التنظيف في عملي والتي وقفتُ أتجاذب معها أطراف الحديث بعد أن غادرت مكتبي هربا من تزاحم الأعمال والأفكار ولعل ذلك الهروب كان الهدف منه جمع شتات أفكاري وشحذ هِمتي لإنجاز الأعمال وهنا تكمن أهمية فترات الراحة للموظفين. ولكن ذلك الهروب جعلني أشعر بضيقٍ أشد بعد حديث عاملة النظافة. مما دفعني لأتساءل لماذا توجد متاجر للعب الأطفال بهذه الأسعار؟!!! لماذا هذه التفرقة البغيضة بين الأطفال؟؟؟ إن ما يحدث جرم لا يمكن الصفح عنه كل ذلك جعلني أزداد إيمانا بقناعتي أن أعظم الصدقات وأفضلها تلك التي تُسعد الأطفال حتى وإن كان أهله من أغنى الناس، فما بالك بحال ابنة عاملة النظافة تلك ؟!!! لذلك عقدتُ العزم على أمر ما، بعد أن سألتها عن اسم ذلك المحل, و-بالفعل- تركت تلك الأعمال واتجهت بكل طاقتي لتحقيق فكرتي فلقد تواصلت مع ذلك المحل واتفقت معهم على إجراء إعلان لهم من خلال إهداء وحضور مجموعة من موظفاتنا مع أطفالهن واقتناء الألعاب على أن تتكفل شركتي بحملة دعائية كاملة لهم مدفوعة التكاليف على أن تكون تلك الزيارات بصفة دورية للأطفال ونحن نقوم بدعوة أولئك الأطفال. و-بالفعل- نجحت تلك الفكرة وشاهدتُ الفرح والسعادة على وجه تلك الأم وذلك الانكسار في داخل روحها تلاشى مع ضحكات صغيرتها وهي تجوب محل الألعاب فَرِحَةٍ سعيدة, فمحل الألعاب من حق كل طفل الدخول اليه و الشراء منه حتى وإن كان أهله معدمين لا يملكون المال. تلك السعادة التي ارتسمت على محيا تلك الطفلة والام معا وتلك الحادثة برمتها جعلتني ادندن بأبيات للشاعر عمر بهاء الدين الاميري (رحمة الله) من قصيدته الرائعة- ريحانة الله- هم الغدُ المرموقُ والأملُ وهم الهناءة والعناء معاً فمقامُهم وفراقُهم جللُ