روايتها الأخيرة تغوص في أعماق النفس والمجتمع..
بتول آل ماجد: ألتقط تفاصيل رواياتي من صمت الحياة لا ضجيجها.

«بيادر»، رواية فريدة من نوعها، تأخذنا في رحلة إلى أعماق النفس البشرية، وتجعلنا نتعرف على تجارب وآلام وأحلام شخصياتها. الروائية السعودية «بتول آل ماجد» تُقدم لنا في هذه الرواية، رؤية عميقة حول الحياة والمجتمع، وتطرح أسئلة حول الهوية والانتماء والبحث عن الذات. في هذا الحوار، سنناقش رواية «بيادر» مع مؤلفتها من زوايا متعددة، وسنحلل شخصياتها وأحداثها، ونستكشف الرموز والمواضيع التي تطرحها الرواية. سنناقش أيضًا دور الروائية «بتول آل ماجد» في تقديم رؤية جديدة ومتميزة حول المجتمع السعودي والإنساني بشكل عام، وإلى نص الحوار: بدايةً من أين خرجت فكرة الكتابة؟ وكيف كانت انطلاقتكِ الأولى؟ - كانت البداية وأنا في التاسعة من عمري. يومها طلبت منا معلمتي في المدرسة إكمال قصة بدأت بها، وكتبتُ كما لو أنني أتنفس ما بين السطور. وعندما قرأت ما كتبت، ارتفعت نبرة صوتها لتقول: “أنتِ عبقرية!”، تلك الكلمة لم تكن عابرة، بل كانت كأنها التقطت شيئًا بداخلي لم أكن أراه بعد. يومها شعرت بأن الكتابة جزء مني، لا هواية عابرة بل هويّة تتشكّل. لكنك لم تسلكي طريق الأدب منذ البداية، أليس كذلك؟. - صحيح. درستُ في المجال الصحي، وأصبحت أخصائية مختبر، وفي الوقت نفسه كنت أمارس التصميم، تحديدًا تصميم العبايات. كما خضت تجربة العمل الإعلامي كمحاورة روائية. تعددت المسارات، وتنوعت التجارب، لكن الكتابة بقيت الحلم الذي لا يغيب. كنت أكتب في الهوامش، في دفاتر صغيرة، وفي ملاحظات هاتفي. لم أستسلم لضغط الحياة العملية، بل كنت أوفّر للكتابة لحظاتها الخاصة. ومتى قررتِ أن تحولي هذا الحلم إلى عمل أدبي حقيقي؟. - منذ أربع سنوات، قررت أن أبدأ كتابة رواية. كنت أعلم أن التجربة ستكون شاقة، خاصة مع التزاماتي الكثيرة، لكني شعرت بأن الوقت قد حان لأخرج ما بداخلي للعالم. بدأت الرواية بطريقة بسيطة، متواضعة، لكنني كنت أعود إليها كلما سنحت الفرصة، أعيد كتابتها، أعرضها على نقاد، أستقبل الملاحظات وأدوّنها، ثم أعود من جديد بتصميم أكبر. كيف جاءت تسمية الرواية بـ”بيادر”؟. - اخترت اسم “بيادر”، لأنه يعكس تمامًا روح البطلة. “البيادر”، هي الأراضي الخصبة التي تحيط بمصادر الماء، وهي رمز للعطاء والنماء، وتتمتع بحسّ احتوائي لا يُضاهى. البطلة في روايتي، تمثل هذا المعنى العميق: امرأة معطاءة، صبورة، تحمل الخير في قلبها، وتُحيط بمن حولها بالرعاية حتى وهي تعاني بصمت. الاسم لم يكن مجرد عنوان ملفت، بل كان تجسيدًا لروح البطلة وشخصيتها التي حملت الرواية كلها على كتفيها. ما هي أهمية عنوان الرواية “بيادر”؟. - عنوان الرواية “بيادر” يشير إلى فكرة الحصاد والجني، حيث يمكن تفسيره على أنه رمز للتجربة الإنسانية والبحث عن المعنى. عنوان روايتي يعكس موضوع الرواية حول البحث عن الذات والهوية. وما هي الفكرة الرئيسية التي تطرحها رواية “بيادر “؟ - رواية “بيادر “ تطرح فكرة البحث عن الذات والهوية في مجتمع يتغير بسرعة، وتتناول رواية “بيادر” تجارب شخصياتها في مواجهة التحديات والتحولات، التي تطرأ على حياتهم. كيف تقدم الروائية بتول آل ماجد شخصياتها في الرواية؟. - أقدم شخصيات الرواية بعمق وصدق، حيث تظهر كل شخصية بصفاتها الفريدة وتجاربها الخاصة. الشخصيات في الرواية معقدة ومتعددة الأبعاد، ما يجعلها قابلة للتصديق والتعاطف. ما هي الرسالة التي تريدين إيصالها من خلال هذه الرواية؟. - الرسالة التي أريد إيصالها هي أن البحث عن الذات والهوية عملية مستمرة ومعقدة. رواية “بيادر” تشجع القراء على التفكير في تجاربهم الخاصة والبحث عن هويتهم في مجتمع يتغير بسرعة. ما القضايا الأساسية التي تناولتها الرواية؟ - الرواية تدور حول العلاقات الإنسانية، وتحديدًا الزواج، لكنها لا تُقدّم حكاية حب تقليدية “بيادر “ تبحث في أعماق الوعي الاجتماعي، وتسأل أسئلة لم يعتد الناس أن يطرحوها على أنفسهم. هل الفشل في الزواج دائمًا بسبب الشكل أو الظرف؟ أم أن السبب غالبًا هو سوء الاختيار، وعدم وعي كل طرف بذاته وبالآخر؟ الرواية، تطرح هذه الأسئلة من خلال شخصيات خيالية، لكنها تنطق بلسان واقع نراه في مجتمعاتنا. ما هو دور البيئة والطبيعة في الرواية؟. - البيئة والطبيعة تلعبان دورًا مهمًا في روايتى “بيادر”، حيث يتم استخدامها كرمز للتحول والتغيير. البيئة في الرواية ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي جزء لا يتجزأ من تجارب الشخصيات. كيف تتعامل الرواية مع قضايا الهوية والانتماء؟. - الرواية تتعامل مع قضايا الهوية والانتماء بعمق، حيث تظهر الشخصيات صراعاتها الداخلية في محاولة لتحديد هويتها ومكانها في المجتمع. وتطرح الرواية أسئلة حول الانتماء إلى العائلة، المجتمع، والوطن. كيف يتم تناول موضوع الحب في الرواية؟. - الحب يتم تناوله كقوة قادرة على التغيير والتحول. وفي “بيادر” أظهر كيف يمكن للحب أن يكون مصدرًا للقوة والشجاعة، ولكن أيضًا مصدرًا للألم والخسارة. ما هو دور اللغة في الرواية؟ - اللغة في الرواية جميلة ومعبرة، حيث استخدمت فى روايتي لغة شعرية لوصف المشاهد والشخصيات، حيث أن اللغة تساهم في خلق جو من الحميمية والصدق في روايتي. كيف يتم تناول موضوع الفقد في الرواية؟. - الفقد يتم تناوله كجزء من التجربة الإنسانية. وروايتي تظهر كيف يُمكن للفقد أن يكون مصدرًا للألم، ولكن أيضًا فرصة للنمو والتغيير. هل هي رواية واقعية إذن؟ - الرواية خيالية في أحداثها بالكامل، ولكنها تستند إلى مشاعر وتجارب حقيقية يمر بها الناس في مجتمعنا. شخصيات الرواية ليست حقيقية، لكنها مشبعة بروح الواقع. أحرص دائمًا على احترام خصوصية الناس، لكنني أؤمن أن الأدب يجب أن يعكس ما يحدث في المجتمع، أن يكون مرآة للداخل، و”بيادر “ هي انعكاس صادق لمشاعر وتجارب كثيرين. كيف تنتهي الرواية؟ - تنتهي الرواية بحلم، حيث ترى البطلة نفسها وكأنها مسحورة، وهذا الحلم ليس سوى صورة رمزية لارتباكها النفسي، ومفترق الأسئلة الذي وصلت إليه. النهاية ليست مغلقة، بل مفتوحة، وتترك القارئ في حالة من التأمل والبحث عن إجابات. وهي دعوة خفية للتفكير فيما لا يُقال عادة: هل نسأل عن الصحة النفسية قبل الزواج، كما نسأل عن النسب والمظهر والدخل؟ هل الرواية توعوية؟ - نعم، “بيادر” ليست فقط رواية تُقرأ، بل هي دعوة للوعي، تحمل رسائل نفسية واجتماعية وتربوية. فيها نصائح مبطنة، لكنها ليست مباشرة، حتى لا تبدو تعليمية صرفة. ركزت على فكرة أن بعض التجارب ليست فشلًا، بل فرصة لإعادة فهم أنفسنا، وأن الاستعداد النفسي للعلاقة أهم من الظروف المحيطة بها. وأين دارت أحداث الرواية؟ - بين أكثر من موقع جغرافي، بعضها داخل السعودية كمملحة القصب شمال الرياض، وأخرى في القطيف، ثم تمتد الأحداث إلى جورجيا وبعض الدول الأوروبية. استخدمت هذه التنقلات ليس فقط لتلوين المشاهد، بل لتأكيد أن المشاعر الإنسانية، لا تُحد بالحدود.. الحب، الخيبة، الحيرة، والوعي، كل ذلك نعيشه أينما كنا. وهل أفادتك خبرتك الصحية في الكتابة؟. - بلا شك، تخصصي كمختبرية منحني دقة في الوصف، ومفردات علمية ساعدتني على تقديم بعض التحليلات النفسية والاجتماعية بطريقة غير مباشرة. أضفت الكثير من التشبيهات المستوحاة من الطب والصحة، ما أعطى الرواية طابعًا خاصًا. هل يُمكن اعتبار “بيادر “ رواية موجهة للنساء فقط؟. - أبدًا.. رغم أن بطلتها أنثى وتتناول قضايا تمس المرأة بقوة، فإن الرسائل فيها إنسانية، تمس الرجل كما المرأة. الرجل القارئ، سيجد نفسه في مواقف معينة، وسيرى بعين أخرى ما قد تغفل عنه العيون أحيانًا. ما هو دور الشخصيات النسائية في الرواية؟ - الشخصيات النسائية في الرواية تلعب دورًا هامًا، حيث تظهر قوة وتصميم المرأة السعودية في مواجهة التحديات. كيف يتم تناول موضوع التقاليد والتحولات الاجتماعية في الرواية؟. - أتناول فى روايتي موضوع التقاليد والتحولات الاجتماعية بتوازن، حيث تظهر أهمية الحفاظ على التقاليد والتعامل مع التغيرات الاجتماعية. ما هي أهمية الرواية في المشهد الأدبي السعودي؟ - الرواية مهمة في المشهد الأدبي السعودي لأنها تقدم رؤية جديدة ومتميزة حول المجتمع السعودي. من أين استلهمتِ الشخصيات؟. - من المجتمع، من المحيط، من القصص التي تُروى في المجالس، من ملامح الناس في الشوارع. كل شخصية هي توليفة مشاعر، ربما لشخص لم أعرف اسمه يومًا، لكن ملامحه بقيت في ذاكرتي. أؤمن بأن الكاتبة الجيدة تلتقط التفاصيل من صمت الحياة، لا من ضجيجها. ما التحدي الأكبر خلال أربع سنوات من الكتابة؟. - الاستمرارية، كنت أكتب على فترات، وأحيانًا أنقطع لأشهر بسبب انشغالاتي. لكن كلما عدت للكتابة، شعرت بأن الرواية تناديني. التحدي الأكبر كان في موازنة الحماس مع النقد، في الثقة بالنفس رغم التأجيل، وفي إصراري على أن أصل بنفسي إلى مرحلة أقول فيها: هذه الرواية جاهزة. كيف كانت ردة فعل النقاد بعد تطوير الرواية؟. - البعض منهم فاجأته النتيجة، كانوا قد قرأوا المسودات الأولى، وأبدوا ملاحظات قاسية، لكنهم عادوا وقرأوا النسخة النهائية، وقالوا: هذا تطور ملموس. وهذا شرف لي، أن أكون من الكاتبات اللواتي يؤمنّ بأن الكتابة لا تُولد كاملة، بل تُنحت بتأنٍ. هل من أعمال جديدة في الطريق؟. - نعم، هناك مشروع رواية جديدة قيد التكوين. ستكون مختلفة من حيث البناء، أعمق من حيث الفكرة، وربما أكثر جرأة من حيث الطرح. كما أنني أعمل على مبادرة ثقافية لدعم المواهب الشابة في الكتابة، إضافة إلى مشروع إعلامي ثقافي يدمج بين الأدب والصحة النفسية. لو عدتِ بتول الصغيرة، تلك التي سمعت كلمة “عبقرية” من معلمتها، ماذا ستقولين لها؟ - سأقول لها: آمني بنفسك دائمًا، قد لا يفهمك الجميع، وقد لا يشجعك أحد، لكنك تعرفين ما في داخلك. اكتبي، حتى لو قرأ لكِ شخصٌ واحد فقط. صدقك في الكتابة سيصل. كيف يمكن للقارئ أن يتعاطف مع شخصيات الرواية؟ - القارئ يمكنه أن يتعاطف مع شخصيات الرواية من خلال فهم تجاربهم وصراعاتهم الداخلية. أخيرًا، ماذا تقولين لمن يفتح “بيادر”، ويبدأ بقراءة أول صفحة؟ - أقول له: لا تقرأني لتبحث عن نهاية، بل لتتأمل الطريق. اقرأني بقلبك لا بعينيك فقط. دع الأسئلة تلامسك، فقد تجد في “بيادر” صوتًا لم تجرؤ أن تعطيه كلمات من قبل.