الشعراء يعلقون على قرار هيئة الملكية الفكرية ..
غرامة الـ 5000 ريال .. حماية للشعر أم تقييد له؟

أثار القرار الصادر عن الهيئة السعودية للملكية الفكرية بشأن فرض غرامة على من ينشر النصوص الشعرية دون إذن من أصحابها تفاعلًا واسعًا في الأوساط الأدبية، خصوصًا بين الشعراء الذين تنوعت أراؤهم بين التأييد والتحفظ، إلا أن الأغلبية أجمع على أهمية حفظ الحقوق الفكرية، شريطة ألا يُفسر القرار بما يحد من تداول الشعر، أو يُعطل انتشاره بين الناس. « اليمامة « استقرأت آراء عدد من الشعراء، لتقف على انطباعاتهم وتصوراتهم حيال القرار الجديد، وما يحمل بين سطوره من حماية للحقوق أو خشية من الحدّ من الانتشار. جاسم الصحيح : القرار يرتكز على البعد الأخلاقي. بداية عدّ الشاعر جاسم الصحيح القرار (شيقًا) وغريبًا من نوعه على الساحة الثقافية، مُتفهمًا «ان القرار يرتكز بالدرجة الأولى على البعد الأخلاقي (ethics) الذي يلزم أي شخص يرغب في توظيف شعر لأغراض تجارية الاستئذان من صاحبه، ومن حق الشاعر حينها أن يطالب بمقابل مادي نظير ذلك الاستخدام». ويرى ان القرار لا يعني كل استخدام للشعر يفضي بالضرورة إلى غرامة مالية» لأن في ذلك تضييقًا كبيرًا على انتشار الشعر وتداوله بين الناس، وكما قيل الشعر ليس مُلكَ من يكتبه، وإنما مُلكُ من يستخدمه، والمقصود بمن يستخدمه هنا أي من يشعر به، ويوظفه في موقف شعوري صادق». وتابع «هذه العبارة ذكرتني بمن أخبروني أنهم استخدموا شعري لمغازلة حبيباتهم دون أن ينسبوه إليّ، فطمأنتهم إن شعري منذور لخدمة العشق والعاشقين». وكشف الصحيح أنه واجه مواقف وظّف فيها البعض شعره في الترويج التجاري دون استئذان «ومع ذلك، لم يخطر ببالي اللجوء إلى المقاضاة أو المطالبة بعقوبات كما نصّت عليه لائحة هيئة الملكية الفكرية، خاصةً وشعري لا يصلح في الأصل للدعاية والإعلانات». عبد الرحمن موكلي : يحفظ حقوق المبدعين . ونظر الشاعر عبدالرحمن موكلي إلى القرار كونه استكمالًا لجملة قرارات قانونية لحفظ حقوق المبدعين ودور النشر، مشددًا على ضرورة دعمه بعيدًا عن النظرة العاطفية. وزاد «أن القرار لا يحد من النشر، بل يجعله خاضعًا للقانون، وهو ما يجب أن تحرص عليه المؤسسات الناشرة والمبدعون. واستذكر موكلي زمن الصحافة، حين كان نشر القصيدة يمنح الشاعر فرحة لا تضاهى» مؤكدًا «لن أقاضي أحدًا، لكن هذا لا يعني عدم الالتزام بالقانون». محمد العطوي : الحماية لا تحد من انتشار الشعر. وصف الشاعر محمد العطوي القرار «بالصائب» ولا يعد عائقًا عن انتشار الشعر بل منظمًا له، كونه جاء بناءً على معطيات كثيرة، حيث أن سهولة الوصول للنصوص وإعادة نشرها أو نسبها إلى غير أصحابها تسبب ضياع الحقوق» مشددّا على وجوب الاستئذان قبل إعادة نشر أي نص «فالنشر بدون إذن يُضيّع هوية الكاتب مع الوقت، ويجعل النص يُنسب إلى غير صاحبه، وعليه من حقي مقاضاة من ينشر دون إذني، أو على الأقل دون ذكر اسمي». حوراء الهميلي : لن أتهاون مع مقترفيها. وبينت الشاعرة حوراء الهميلي أن أي قرار يعزز من حماية حقوق الآخرين هو قرار صائب، مؤيدةً كل قرار يسعى إلى حماية الملكية الأدبية، حيث إنها من أكثر الحقوق عرضة للانتهاك. وأوضحت أن القرار يمثل خطوة مهمة لرفع الظلم عن المبدعين «لكنه بحاجة إلى فقرات تنفيذية واضحة ترفع اللبس، مثل تحديد ما إذا كانت الغرامة تُعد تعويضًا للمؤلف عن الضرر أو مخالفة تُسدَّد للحق العام، وهل يشمل نشر جميع محتوى الشاعر دون الإشارة إليه، أم يقتصر على أنواع معينة من النشر». وأضافت» أن القرار عند شرحه وتوضيحه للناس، لن يحد من انتشار الشعر، بل سيدفع الكثيرين إلى تجنب نشر الأعمال دون إذن، أو نسبتها إلى غير أصحابها، حتى وإن لم يكن لديهم وعي كامل بتفاصيله، حرصًا على تجنب الضرر». وربطت الهميلي بين حماية الحقوق الفردية وحماية النظام الاجتماعي ككل، مشيرة إلى أن التمسك بالحق الخاص والدفاع عنه يسهم في تعزيز الوعي العام والردع. وعنها شخصياً، أفادت أنها تفرّق بين جمهور محب يشارك أشعارها مع نسبتها إليها على الأقل «وبين من يتعمد السرقة المباشرة كونه مجرمًا يسرق نتاجًا فكريًا عن قصد، ولا يستحق العفو، ولا بد أن يكون عبرة ورادعًا لغيره». وقالت: «السرقة الأدبية لا تقل جرمًا عن غيرها من السرقات، فالمال والنتاج الفكري كلاهما حق لصاحبه، بل إن العمل الأدبي قد يكون أثمن» موضحة أن خطورة هذه السرقات كثيرًا ما لُطّفت بتسميات مثل «سرقة أدبية» وكأنها أقل شأنًا. الشاعر زكي الصدير: لن أقاضي من نشره حبًا . وأشار الشاعر زكي القصدير أن جوهر الشعر هو الانسياب والانفتاح وليس التقييد والحصر «ووضع قيد قانوني بهذا الشكل يُشبه مشهدًا كاريكاتوريًا مضحكًا يقف ضد طبيعته، وقد يحوله من فن إنساني إلى منتج تجاري جامد يفقد روحه، ولو أُستغل شعري تجاريًا، أو نُشر دون إذني، فمن حقي الشكوى، لكنني لن أقاضي من نشره حبًا بالكلمة دون قصد السرقة». وقال:» فالشعر في جوهره ليس سلعة تُباع وتُشترى، بل رسالة ونتاج إنساني خُلِق ليُتداول وينتشر بين الناس بحرية، ودائمًا ما كان صوتًا للحرية والتعبير، لا للملكية الضيقة، غير منكرين أن حماية الحقوق أمر مهم، لكن الشعر تحديدًا لا يعيش إلا بالانتشار». وتابع « القرار يحمي جهد المبدعين ويشجع على احترام الملكية الفكرية وقد يقلل من النشر العشوائي للقصائد على وسائل التواصل الاجتماعي، ولن يحد من انتشاره، إذا جرى الأمر بموافقة الشاعر أو عبر قنوات رسمية. جبران قحل : لتحصين النتاج الفكري من السطو. بدوره يصف الشاعر جبران قحل حفظ الملكية الفكرية بالمسؤولية العظيمة «والقرار يمثل خطوة هامة لحماية حقوق الشعراء ماديًا ومعنويًا، إضافة إلى تحصين النتاج الفكري من السطو والانتحال، خاصة في عصر الإنترنت. وراهن على أن القرار لا يتعارض مع انتشار الشعر إذا تم تداوله بالطرق المشروعة التي تحفظ الحقوق، مؤكدًا على اتخاذ الإجراءات القانونية إذا نُشرت قصائده بانتحال أو بغرض التكسب المادي، أما إن نُشرت مع حفظ حقوقه، فلا مانع لديه. عبد العزيز بخيت : القرار يحفظ الملكية الفكرية . وأكد الشاعر عبد العزيز بخيت أن القرار الجديد يمثل خطوة مهمة لحفظ حقوق الملكية الفكرية ومحاربة قراصنة الإبداع الذين يقتاتون على نتاج غيرهم، موضحًا أن أي مجال إبداعي لا يخلو بالكاد من مستظلّين بأفياء مبدعين. ورأى أن القرار يرفع قيمة العمل الإبداعي ويمنح المبدعين دافعًا أكبر للإنتاج «إذ إن السرقات والاتجار بمجهود الشاعر ورواج فكرته بأيدي آخرين أمر محبط، خاصة إذا رأى حرمته مستباحة». وأضاف «أن النقل – حتى لو لم يكن سرقة صريحة – إن كان بعيدًا عن إشراف المبدع، قد يتعرض للتحريف أو التشويه، مما يضعف من جودته»جازمًا أن القرار لا يحد من انتشار الشعر أو أي عمل فني «بل على العكس يضمن وصوله إلى المتلقي من مصدره الأصلي، مما يفتح الباب للتعرف على مزيد من أعمال المبدع وتجربته». وشدد بخيت حيال استخدام النصوص في المسابقات أو الأغراض الفنية، أو تحويلها إلى نصوص مغناة، على وجوب أن يكون الشاعر طرفًا في العمل، وأن الاكتفاء بذكر اسمه دون استحقاق يذكر تصرف غير عادل. أحمد الهلالي : الغرامة قد تُحد من انتشار الشعر . من جانبه رحّب الدكتور أحمد عيسى الهلالي بقرار الهيئة السعودية للملكية الفكرية، واسهامه في تنظيم الساحة الثقافية والشعرية، مرورًا بحماية حقوق الشعراء، وصولًا إلى ضمان بيئة عادلة خالية من الانتهاكات ومحفزة على الإبداع. وقال:» رغم أن القرار ما زال ملتبسًا على الناس، وردود الهيئة على منصة (X) لم تكن واضحة أو تفصيلية، واكتفائها بتعريف غامض يفرّق بين النشر والنقل دون أمثلة توضيحية، إلا إنه قرار يُفهم في سياق حماية الشعراء من السرقات الأدبية، ومن استغلال نتاجاتهم الشعرية تجاريًا دون إذن مسبق، كغناء القصيدة أو نشرها في إعلان تجاري عن منتج معين» مبديًا تساؤله عن الفرق بين مصطلحي النشر والنقل «وهل تُعد الأرباح الناتجة من حسابات التواصل أعمالًا تجارية؟ لا سيما وأن هناك حسابات متخصصة في الشعر قد تتأثر بهذا القرار». وحول تأثير القرار على انتشار الشعر، أبدى الهلالي قلقه « كون القرار سيخلق توجسًا في أوساط محبي الشعر، وسيحد من تداول النصوص الشعرية وانتشارها، ما لم تُوضح الهيئة تفاصيل القرار بلغة واضحة وأمثلة دقيقة تناسب العامة». وعن موقفه الشخصي، أفاد الهلالي أنه لا يرى مانعًا من نشر قصائده شريطة نسبتها إليه « فمعظم المبدعين يسعدون بتداول نصوصهم وانتشارها، لكن إذا تم استغلالها تجاريًا أو سُرقت دون نسبتها لي، فلن أتردد في اللجوء إلى القضاء». حميدي الثقفي: نسب القصيدة لصاحبها يكفي. ودعا الثقفي إلى تتناقل الشعر وروايته بلا عوائق طالما كان خاليًا من الادعاء والسرقة» وشخصيًا، لن أقاضي من ينقل قصيدتي أو بعض أبياتها دون استئذان إذا نسبها إليّ، وإذ اذكر مجلة المختلف التي سبق أن أصدرت مجموعات شعرية على شكل دواوين لعدد من الشعراء تحت مسمى «الشاعر» وكانت فكرة مميزة». وعبر عن تأييده لأي فكرة تسعى إلى حماية حقوق الشاعر، وفرض غرامة رادعة على من يسرق القصيدة وينسبها لنفسه دون الإشارة إلى صاحبها الأصلي. وذكر في مجمل حديثه سلسلة مؤلفات وثقت نصوصًا شعرية دون أخذ الإذن من أصحابها «لكنها اتسمت بالأمانة بالإشارة إليهم، واثبات الملكية الفكرية، مثل كتاب الأزهار النادية من أشعار البادية، وكتاب الشيخ عبدالله بن خميس «الشوارد» التي ضمّت قصائد وأبياتًا لشعراء آخرين مع توثيق أسمائهم، إضافة إلى أمثلة مشابهة في الشعر الفصيح، وجل التاريخ الشعري العربي وصلنا عبر أمناء من ناقلين ورواة ومدونين، وهو عمل توثيقي إيجابي». واستدرك الثقفي بأن الظرف التاريخي تغيّر «إذ باتت بعض الأعمال تُؤخذ للتكسّب المادي، مثل النصوص الغنائية أو التصاميم التقنية التي تُعرض في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذه الحالة لا يضير الفاعل أن يستأذن صاحب النص». علي الأمير: التجاهل الذي قد يدفعني لرفع شكوى . واعتبر الشاعر علي الأمير القرار خطوة بالغة الأهمية « لأن جميع المبدعين يتطلعون إليه، فضلًا أن الملكية الفك حق يجب أن يبقى مصونًا ومحصنًا بالقانون، ليس في الأدب وحده، بل في مختلف الفنون الأخرى». وقال: «يبدو لي أن القرار لا يقتصر على مجال أو فن بعينه، وأن العقوبة الواردة فيه تخص الاستخدام التجاري للمادة الفكرية دون الرجوع لصاحبها، سواء كانت صورة أو لوحة أو قصيدة أو بحثًا أو أي عمل فكري فني أدبي» وبيّن الأمير أن كانت العقوبة لا تقتصر على الاستخدام التجاري، وتشمل حتى إعادة نشر قصيدة أعجبت شخصًا دون علم أو موافقة صاحبها، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع حضور الشعر في وسائل التواصل الاجتماعي، بل سيحد من انتشار جميع الفنون والآداب الأخرى في الصحافة والبرامج الثقافية. وحول موقفه الشخصي، أفاد «لن أشتكي من ينشر قصائدي دون موافقتي، بل سأشكره وأكون ممتنًا له حتى لو استخدمها تجاريًا، شريطة أن يشير إلى اسمي وألا يتجاهلني؛ فهذا التجاهل هو السبب الوحيد الذي قد يدفعني ويدفع غيري لرفع شكوى».