عندما يأتي الكاتب متأخرا .

أثار في نفسي صدور الكتاب الأول للصديق الاستاذ صالح عبد الرحمن الصالح بعنوان : (لا الي أمهات أخر) وهو الذي كان نشطا في الحياة الثقافيه على مدى اكثر من نصف قرن شارك فيها بالعمل كاتبا ومحررا في الصحافة ومقدما ومعدا لبرامج في الإذاعة ومسؤلا في النادي الأدبي بالرياض فضلا عن إنتاجه في المقالة وفي الشعر الشعبي والغنائي أوالفصيح اقول أثارعندي هذا الصدور المتأخر السؤال حول ظاهرة كانت قد استرعت انتباهي وهي إصدار البعض لكتبهم في ازمنة متأخرة من أعمارهم في حين عمد اخرون الي حرق كتبهم مثلما فعل قديما ابو حيان التوحيدي او ما فعله الشاعر السوري عبد السلام عيون السود من احراق لأشعاره قبيل انتحاره او الوصية التي طلب فيها الروائي التشيكي فرانز كافكا بإحراق المخطوط من أعماله لكن صديقه ماكس برود لم ينفذ وصيته أوما اقدم عليه الشاعر الشعبي ابراهيم بن عبد الرحمان السيف من حرق لجميع شعره في أواخر عمره..الخ واذا كان بالإمكان تعليل أسباب الإحراق اما بالمزاج السوداوي الذي قد يصل معه المؤلف الي احساس عميق باللاجدوى او بالخشية من الوصم بما طرحه فيه مما قد ينكره عليه الآخرون أو لتغير في القناعة او عدم الرضا عن الأسلوب او المحتوى وكل تلك وغيرها تعليلات محتمله.. انما كيف لنا ان نعلل ما يحدث في الاتجاه المعاكس؟ اعني الإصدار بعد سنين طوال؟! واذا استثنينا السير الذاتيه.. فهل يرجع الإصدار المتأخر الي ان صاحب الإصدار يقع فريسة للحنين محاصرا بين مشاهد عمر كان ضاجا بالحيوية مشحونا بالنشوة وانه إزاء ذلك لم يملك معه سوى الانصياع ؟ فان كان الامر كذلك وهو كذلك بالفعل.. فهل يمكن الاكتفاء بسيكلوجيا الحنين مبررا ؟ اليس ثمة ما ينبغي مراعاته من اعتبارات أخرى؟ كالحرص على ان يكون للإصدار وزنه وقيمته ؟فضلا عن عامل الوقت الذي يلعب دوره في تحديد الأهمية ؟ وللتوضيح اكثر : هل كان بإمكان كتاب طه حسين ( في الشعر الجاهلي) أو كتاب علي عبدالرازق ( الإسلام واصول الحكم) ان يكون لهما ذات الأثر الذي أحدثاه لو تأخرا في الإصدار ؟ ومن ناحية اخرى ألن يكون التأخر في الإصدار عرضة لأنّ تصبح القضايا والمواضيع المتضمنة فيه مما لم تعد تشغل اهتمام الأجيال الراهنه؟! هذه مجرد تساؤلات احترازيه لا تصادر حق احد قط في رغبته بالنشر بل ان هذه الرغبة تستحق التقدير ليس من منظور ثفافي فحسب وانما من منطلق إنساني محض لانها مؤشرعلى روح مفعمة بالحياة حفية بها.. بل انها في الوقت نفسه محفزا لان يحتذي بهم اخرون ممن لهم نتاجهم في سنوات خلت وأن يصابوا بعدوى النشر لما يرونه يملك مبررات نشره. واخيرًا لامناص لي قبل ان اختم مقالي هذا من أن أعود الي سيكلوجيا الحنين واتساءل بناءا عليه عما إذا كان هذا الحنين يعبر عن رغبة في التعويض عما فات.. ام انه يعبر عن ندم عليه؟! وشخصيا لم انحز الي أي منهما..وانما وجدتني اقرب في الانحياز الي غريزة حب البقاء ممثلة في التعبير عن الذات أو في المماهاة لقول فيروز العظمى: (اترك عطر في هالكون)!