ذكاء يصنع الغد.

تتسلّل إلى الأذهان مخاوف من أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ الإنسان في بعض المهن، غير أنّ الاقتراب من هذا العالم يكشف أنّ الصورة ليست بتلك القتامة؛ فهو، في أقصى ما يقدّمه، يظلّ مساعدًا للإنسان لا بديلًا عنه. فالذكاء الاصطناعي يسرّع العمل، يرتّب، يدقّق، يراجع، ويصمّم، ويبتكر، لكنه يظل بحاجة إلى البصمة الإنسانية التي تمنحه المعنى والروح. تؤكّد الدراسات والخبراء أن المستقبل سيكون للتكامل بين براعة الأدوات الذكية وقدرة الإنسان الفذّة على القيادة والإبداع، وأن من يجمع بين مهاراته المتجذّرة ومعرفته بأدوات العصر سيكون الأكثر قدرة على المنافسة. بل إن هذه التقنيات تفتح أبوابًا واسعة لتقليل الهدر، وخلق فرص عمل جديدة لم تكن موجودة من قبل. لم يعد الذكاء الاصطناعي خيارًا، بل أولوية، إذ تتسابق الشعوب في الاستثمار في هذه الأدوات التي غدت جزءًا من واقعنا؛ وفي المملكة نُعدّ من بين الأكثر تفاعلاً مع التحولات الرقمية، فالتجارب الرائدة مثل أبشر وتوكلنا وصحتي ومنصة نفاذ، وقريبًا تستعد شركة “هيوماين” لإطلاق “علّام”؛ وهو نموذج أساسي للذكاء الاصطناعي جرى تطويره وتدريبه بالكامل في المملكة، ويقوم بمحادثة المستخدمين والرد على استفساراتهم باللغة العربية. وهناك تطبيقات عديدة لم تقتصر على تسهيل حياة الناس، بل تحوّلت إلى نماذج عالمية يُحتذى بها. ويقوم هذا النجاح على بنية تحتية قوية ورؤية واضحة، عززتها مؤشرات دولية وقمم عالمية أكدت مكانة المملكة في هذا المجال. وكانت المملكة قد نالت المرتبة 11 عالميًا من بين 40 دولة، والأولى عربيًا وإقليميًا في سلامة الذكاء الاصطناعي، وفقًا للمؤشر العالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي (GAISI) -كما نشرت “واس”- والذي أُعلن في باريس بحضور قادة العالم. وأوضح المؤشر أن التميز السعودي يرتبط بارتفاع ملحوظ في الأبحاث المتعلقة بالسلامة بنسبة 8.3% من الإجمالي العالمي، إلى جانب وجود إطار حوكمة متين يدعم تطوير سياسات آمنة. التحدي ليس سهلاً، فالعالم كله يوظف هذه التقنيات لصالح رفعة شعوبه. لكننا أمام طفرة جديدة تمنح الإنسان فرصًا غير مسبوقة، وإذا كانت بعض المهارات التقليدية ستتراجع، فإن المهن المستقبلية ستتسع أمام من يمتلك الجرأة الواعية على التعلم والتطوير. ويبقى الإنسان دائمًا هو القادر على التوجيه والإبداع، وصاحب الفكرة والنواة الأولى. وكما قال المتنبي: عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ