الإبداع السينمائي السعودي..

فيلم «هوبال» يمهد الطريق نحو الأوسكار.

تُثبت المملكة العربية السعودية يومًا بعد يوم أن رؤية 2030 ليست مجرد خطة استراتيجية، بل هي نهضة شاملة تطال جميع جوانب الحياة، من السياسة والاقتصاد إلى الثقافة والفنون. وفي هذا السياق، يبرز فيلم «هوبال» كشاهد على نهضة سينمائية سعودية ولدت من رحم التغيير، لتمهد طريقًا جديدًا للوصول إلى العالمية، وتحديدًا إلى مسرح جوائز الأوسكار المرموق. تعيش المملكة العربية السعودية أزهى عصورها وأبهى أزمانها في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده رئيس مجلس الوزراء، عرَّاب رؤية المملكة 2030، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود. يتجلى هذا التطور في شتى مجالات الحياة، حيث أصبحت المملكة واجهة عالمية بامتياز، تقدم نموذجًا فريدًا لجودة الحياة المستقرة والآمنة، مواكبة لكل جديد ومفيد، بل وسبّاقة إليه. من بين هذه المجالات، يبرز القطاع الثقافي، وتحديدًا الإبداع السينمائي السعودي. ورغم أن النهضة السينمائية تأخرت لسنوات، فإن عهد الملك سلمان الزاهر أثمر عن نتائج مبكرة ومتسارعة بفضل رؤية 2030. فقد حظي قطاع الثقافة والسينما بدعم كبير، تزامنًا مع ظهور جيل من المبدعين السعوديين المؤهلين في أرقى الجامعات والمعاهد العالمية. «هوبال»: قصة بدوية بعمق إنساني انتقلت السينما السعودية سريعًا من مرحلة الوجود إلى مرحلة إثبات الذات، بأفلام مميزة شاركت في مهرجانات محلية ودولية وحصدت جوائز وإشادات عالمية، إلى جانب نجاحها الجماهيري. وفي هذا السياق، يُنتظر أن يترشح فيلم «هوبال» لجائزة الأوسكار، ليُسجل إنجازًا جديدًا للسينما السعودية. يُعد «هوبال» أيقونة سينمائية جديرة بالترشيح، لا بل بالحصول على جوائز عالمية. ما يميّز الفيلم هو قدرته على الانتقال من المحلية المتجذرة في عمق البادية السعودية إلى آفاق إنسانية عالمية. إنه ليس مجرد سردية عن نداء الإبل، بل سيمفونية بصرية تتناول ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مُستلهمًا قصصًا عالمية مثل صراع قابيل وهابيل ورواية «الإخوة كارامازوف» لديستويفسكي. تميز فني ونقدي يروي الفيلم قصة أسرة بدوية في صحراء الربع الخالي، تتصارع فيها العلاقات الإنسانية المعقدة عبر ثلاثة أجيال. لقد توفرت للفيلم كل عناصر النجاح، بفضل الإبداع الذي قدمه المخرج عبدالعزيز الشلاحي، والسيناريو المتقن للكاتب مفرج المجفل. لم يقتصر الإبداع على السرد والإخراج فحسب، بل امتد ليشمل كافة الجوانب الفنية والتقنية. فقد نجح مدير التصوير عبدالعزيز الدوسري في التقاط جماليات الصحراء القاسية وعمق العواطف الإنسانية في لقطات بصرية آسرة. كما أبدع المونتير فهد الخالدي في صياغة إيقاع سردي متوازن، فيما أثرى الموسيقى التصويرية التي ألفها إبراهيم البيزاني المشاهد العاطفية، بينما لعبت عناصر الصوت والإضاءة دورًا محوريًا في خلق أجواء الفيلم الفريدة والمؤثرة. أما الأداء التمثيلي، فقد تميز فيه الجميع، من المخضرم إبراهيم الحساوي الذي جسد دور الجد، إلى مشعل المطيري وراوية أحمد. وقد برز بشكل خاص دور العنصر النسائي، حيث قدمت ميلا الزهراني وشيخة الزبيدي ومريم الزهراني أداءً قويًا يجسد معاناة المرأة وتحدياتها في هذا المجتمع. هذا التكامل الفني يؤكد أن السينما السعودية تمتلك فريقًا محترفًا قادرًا على صناعة محتوى عالي الجودة. ومع ذلك، يُؤخذ على الفيلم الاستخدام الكثيف للهجة البدوية، مما قد يجعل بعض المشاهدين العرب يحتاجون إلى فك شفرة بعض الكلمات. هذه نقطة مهمة يجب على السينما السعودية الانتباه إليها، حتى لا تتكرر تجارب سينمائية أخرى قد تُغفل المشاهد العربي في سعيها للتواصل مع الجمهور الأجنبي. رسالة إلى العالم فيلم «هوبال» ليس مجرد عمل سينمائي آخر؛ إنه بصيحة واحدة يكسر حاجز المحلية ويحمل معه أصالة الثقافة السعودية إلى العالمية. هذا الفيلم يمثل قمة الجبل الجليدي لنهضة فنية شاملة، تؤكد أن السينما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي أداة ثقافية قوية لنقل قصصها وهويتها إلى العالم. إن ترشيحه للأوسكار هو أكثر من مجرد إنجاز سينمائي؛ إنه رسالة إلى العالم بأن المملكة، بنهضتها الشاملة، أصبحت حاضرة بقوة في كل محفل، وعلى أتم استعداد للفوز بكل جائزة، وترك بصمة خالدة في سماء الفن السابع العالمي.