على ضفاف نهر بردى ..

ذكرى لقاء بين الجهيمان والعلي.

الآن وقد مر على وفاة الأديب عبد الكريم الجهيمان - رحمه الله - خمسة عشر عاماً - لعلي وغيري نتذكره ونترحم عليه.  أتذكر ليلة جميلة حضرتها جمعت الأستاذين عبد الكريم الجهيمان ومحمد العلي بمطعم الشعار بحي الرابية على ضفاف نهر بردى بدمشق كانت من أمتع الليالي التي لا تنسى. عام ١٩٩٩م التقيت أستاذنا الجهيمان وهو يستعد للسفر إلى لبنان ليصفي حسابه مع دار الثقافة للطباعة والنشر بلبنان التي طبعت كتبه الأولى ومنها موسوعتي (أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) في خمسة مجلدات، و(الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية) ويشتمل على ما يقارب من عشرة آلاف مثل. في عشر مجلدات، وسبق أن سمعت منه أن أحد المسؤولين بالسفارة الليبية ببيروت اتصل بالناشر وطلب منه تغيير اسمها إلى (الأمثال العربية) وسيشتري منها ثلاثة آلاف فرفض الجهيمان ذلك العرض.  طلبت منه زيارة سوريا بعد انتهاء زيارته للبنان، وحددنا الموعد، وكنت وقتها أزور سوريا بين وقت وآخر وأقيم بضيعة اسمها (دير عطية) بين دمشق وحمص. أما الأستاذ محمد العلي فقد أصبح يقضي أشهر الصيف بلبنان، وكان يعرف علاقتي بالجهيمان ويبدي رغبته بلقائه، فاتصلت به وذكرت أن الجهيمان سيكون بسوريا وحددنا الموعد، وكان اللقاء بدمشق ليلة عودة الجهيمان للرياض، تواعدنا مع الأستاذ محمد العلي بفندق الليوان بحي البحصة بدمشق، فصحبنا إلى مطعم الشعار للسهر والعشاء، وفي الصباح نذهب بالجهيمان للمطار عائداً للمملكة.  وصلنا المطعم وبدأ التعارف وبدأ بالكلام وأصبح أبو سهيل يسترسل بالحكايات والذكريات التي لا تنتهي مروراً بدوره بالصحافة في المنطقة الشرقية وترؤسه أول جريدة تصدر هناك (أخبار الظهران) ومطالبته بتعليم البنات، ودور الرقابة وقتها… وكان أبو عادل يستمع ولا يقاطع وتعشينا واستمرت السهرة إلى منتصف الليل وما زال أبو عادل يستزيده وهو لا يتوقف. أذكر أن العلي يكتب وقتها مقالين أسبوعيين في صحيفتي (الحياة) و(اليوم) فكتب عن هذا اللقاء بالبعد الآخر بعنوان: (الجهيمان طفل يتشبث بالحياة). ما زال العلي يذكر هذا اللقاء ويُذكِّر ببعض ما سمعه، من أسلوبه بالكتابة ومن ما لوحق بسببه وأوقف، والأهم التحولات في حياته من القرية (غسلة) بشقراء إلى الرياض لطلب الرزق والعلم، ثم التحول الأكبر إلى مكة المكرمة بعد معركة (السبلة) قبل ١٠٠ عام وكان يدرس بحلقات الحرم وبالمعهد العلمي السعودي وقبلها عمله جندياً بالهجانة، وبعد نجاحه وبدايته مع التدريس في المدارس ثم في المعهد وبدايته مع تأليف المقررات المدرسية (الفقه والتوحيد والمحفوظات) وغيرها، ومشاركته زميله عمر عبد الجبار بمقررات أخرى، كان يقول أنه جاء من نجد إلى الحجاز (وديني محمض) اي متشدد يری المنكر فلا يستطيع مقاومته، ويسمع الراديو في المقاهي والدكاكين فيسد أذنيه حتى لا يتسرب اليهما شئ من الموسيقى فيأثم، فيقول هذا من أضعف الإيمان.  رشحه بعد ذلك صديقه حمد الجاسر لإدارة مدرسة الخرج الأولى عام ١٣٦٢هـ ١٩٤٣م ومنها إلى مدرسة أبناء الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الذي ربطته بابنه يزيد صداقة وألفة قادته إلى مرافقته بالسفر بدعوى العلاج إلى لبنان ثم مصر، وبعدها بسنة إلى فرنسا وغيرها من دول أوروبا. بقي بباريس ثمانية أشهر، تعلم اللغة وقيادة السيارة ومقابلة بعض الصحفيين والمسؤولين، والتقى بالسائح العراقي (یونس بحري) و هو يدير جريدة العرب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وألف كتاب (ذكريات باريس) وقدم له يونس بحري. بعد عودته للمملكة وتعوده على السفر قرر زيارة الإمارات العربية في الخليج، فمر بصديقه عبد الله الملحوق مدير مكتب الأمير سعود بن جلوي فعرض عليه إدارة شركة الخط للطبع والنشر  وافق وجاءت موافقة ولي العهد الأمير سعود بإصدار جريدة الظهران، وبدأ العمل من منتصف عام ١٣٧٤هـ ١٩٥٥م طبعت في بيروت ثم طورت مطابع الخط فانتقلت لها واستمرت لسنتين فكان إيقافها كما قيل بسبب مطالبتها بتعليم البنات وقيل لأسباب أخرى. كان الرقيب على ما ينشر رئيس المحكمة الشرعية بالظهران وكان يجيز أو يعترض على بعض المقالات.  يقول بعد إيقاف الجريدة وإيقاف رئيس تحريرها واحدًا وعشرين يوماً أفرج عنه وعاد للرياض. وبدأ العمل بوزارة المعارف وبداية الكتابة بجريدة صديقه حمد الجاسر (اليمامة) وقد أعدت نشر المقال الذي قيل إنه سبب إيقاف الجريدة (نصفنا الآخر).  وفعلاً عدت لليمامة ووجدت المقال نفسه في العدد 125 وتاریخ 21/11/1377هـ وأعاد نشره في كتابه (أين الطريق؟) والذي جمع به مقالاته التي سبق نشرها في جريدة اليمامة.  استمرت علاقة العلي بالجهيمان فكلما يدعى العلي لحضور مهرجان الجنادرية الثقافي يزور الجهيمان ويلتقيه في المناسبات ويتبادلان الحب والتقدير والاحترام.  ويتذكر الجهيمان عند صدور جريدة (القصيم) منتصف عام ١٣٧٩هـ ١٩٦٠م أنه شارك بها وعرض عليه رئاسة التحرير فاعتذر ولم يرفض وضع اسمه مشرفاً عاماً عليها. واستمر يكتب بها مقالين الأول باسمه (آراء فرد من الشعب) والثاني بالصفحة الأخيرة باسم مستعار أو مغفل بلا توقيع عنوانه (المعتدل والمايل) فقال إن القارئ يبدأ بقراءته لطرافته ولكونه انتقادات لبعض الأخطاء في المجتمع، وهو إلى حد ما يشبه رسوم (الكاريكاتير) الآن. وقيل إن الملك سعود يقرؤها ويقول لجلسائه: قرأتها كلها فوجدتها كلها «مايله» ما فيها شيء معتدل.