حامد.. جنازة باللوز والفستق.

“(جنازتي) أريد أن تحضر جنازتي قطة الشارع التي أشتري لها علبة تونة كل صباح جاري الذي أرمي زبالته أصدقائي الذين أعدهم على الأصابع ابنتي ضاحكةً من حجم المزحة، عزرائيل متفاجئاً!” - حامد بن سليمان القرشي. بالطريقة نفسها يختفي حامد، هو معك البارحة واليوم والليلة، وفجأة لا تدري أن ذاب في فم الحياة، لكنك تعرف دوماً أنه في مغامرة، في جولة ما من جولات العيش المذهل. سيفرغ منها ويهاتفك، وفور أن تراه سيشرع في الضحك، كما لو أنك تعرف بالتفصيل إلى أي سماء طار، وعلى أي أرض حطّ. “ يا هوه، فين كنت؟”. يضحك “هههه أنت عارف. بعدين أقول لك الباقي”، وهو يعني ذلك، كان يفترض أننا نعرف. لكن الأكيد أن الجميع كانوا يظنون أنهم قريبون من روحه الجامحة، واليقين أن أحداً لم يعرف ولو لمرة واحدة شيئاً، ولا أين كان، ولا أين سيذهب! حيّ، حيّ وحروك ومتأهب. حامد. يجعل من كلماته العادية أطراف أصابع لقدميه، يقف عليها بعجلة كي يطل بسرعة على العالم. يطمئن أن كل شيء على ما يرام في عالم من يحبهم، وفي غمضة يمضي. يمضي بخفّة متجوّل عليم بالأيام والبشر، فهو لا يترك أبداً بعده أية بقايا، وبطريقة مذهلة ينسل إلى الخفاء، ولا تكاد تنتبه أنك لا تعثر بعد غيابه على شيء منه، كأنه يعيش ليعيش، ليمحو أمسه وينطلق لليوم التالي دونما أثقال. كان هذا الذي أحدثكم عنه أول شاب سعودي يفتتح مقهى في مكة “هافانا” مطلع الألفية، وقد كانت الأمور كيفما كانت، ويحيله إلى دار سينما، وصالون أدب وموسيقى وشطرنج، وليالي من الجمال البارع والفريد، ولم يستطع أحد حينها أن يقبض على الطائر أو يوقفه لأعوام. لما شعر بالضيق وضع حقيبته على كتفه، لم ينازع أحداً على أية بطولة وهو الحقيق بها، وراح يمرح في بلاد الله، ولم يتوقف منذها. “أنا: هلا أبو قريش. كيف الأمور؟ حامد: لوز وفستق. ضحكت على رده المعتاد هذا - وهي طريقته وفرادته الدائمة، من لغته لطباعه لكتابته إلى إنسانه كله - وقلت له: شوف، قرأت مرة مقالة ساحرة لمحمد ديريه عن الصومال. تعرف إذا الأحوال طيبة والدنيا فسحة بِمَ يجيب الناس بعضهم البعض عن سؤال “كيف الحال؟”، لا يقولون “بخير” وبقية الكلام العادي. حامد: - هاه، إش يقولون؟ - يقولون: “حليب ومطر” حامد: - الله الله! قفّل أبو ثابت، وارسل لي المقالة، وبعدين أكلمك. قوام. - صار”. هل مات حامد حقاً؟ هكذا قرأت وسمعت بعد أيام من ذهابه. سأعتبرها إحدى اختفاءاته المباغتة، وهو الآن يطير في السماء، وبكل حال؛ قل لي الآن، يا صاحبي، كيف الأحوال لديك في الأعالي؟ قطعاً هي حليب ومطر، لوز وفستق، وحفلة نور. رحمات الله.