نصوص مترجمة لفلاسفة عالميين ..

لماذا الفلسفة ؟ سؤال لاذع .. وإجابة عدوانية !

تختلف تعاريف الفلسفة وتختلف الفلسفات باختلاف الفلاسفة، لكن الأغلبية تجمع على ما يميز التفكير الفلسفي عن غيره من أصناف التفكير. وهذه الخصائص هي دوما ما جعلت الفلاسفة والفلسفات يتعرضون لهجوم شرس متعدد، كان الهدف منه القضاء على الفكر الفلسفي. من دون اندهاش وشك وتساؤل ليس هناك تفكير فلسفي. كما لا يمكن للفيلسوف أن لا يلجأ للنظر والاعتبار العقليين وللنقد اليقظ. في النصوص المقدمة فكرة عن هذه الشروط التي من غيرها يستحيل وصف خطاب ما بالفلسفي. « ولذلك، فإن مهمة الفيلسوف الأولى والرئيسية، هي اختبار تمثلاته، والتمييز بينها مع إخضاعها للنقد، وعدم قبول أي منها دون فحصها. تأملوا، بخصوص النقود ما دامت تكتسي أهمية بالنسبة لكم، في التقنية التي اخترعناها وكل العمليات والوسائل التي يستخدمها خبير العملة للتأكد من مدى صحة القطع النقدية، البصر، اللمس، الشم، وأخيرا السمع[...]. وهكذا، ففي المجالات التي نعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا أن نخطئ أو لا نخطئ، فإننا نولي اهتمامًا كبيرًا بفحص الأشياء التي يمكن أن تخدعنا؛ وبالعكس، عندما يتعلق الأمر بهذا الجزء البائس المُوَجِّه للنفس، فإننا نتثاءب، وننام، ونقبل بأول تمثل يخطر لنا: ذلك لأن فكرة الأذى الذي ينتج عن ذلك لا يصيبنا. » ابكتيتوس، الخطابات، الجزء الأول، الفصل 20 Epictète, Entretiens, I, 20 ---------------- « أن تفكر هو أن تقول لا. لاحظ أن علامة نعم هي علامة رجل يستسلم للنوم؛ على العكس من ذلك، فإن الاستيقاظ يهز رأسه ويقول لا.[…] إن ما يجعل العالم يخدعني بمنظوراته، وبضبابه، وبصدماته المنحرفة، هو كوني أوافق، هو كوني لا أبحث عن شيء آخر. وما يجعل الطاغية يسيطر علي هو كوني أحترم بدلا من أن أفحص. حتى العقيدة الصحيحة تصبح باطلة بسبب هذا النعاس. البشر عبيد بسبب الاعتقاد. أن تفكر هو أن تنكر ما تعتقده. ومن يعتقد لم يعد يعرف حتى ما يعتقده. من يكتفي بمجرد فكره فإنه لم يعد يفكر في أي شيء. » ألان، أحاديث عن الدين، LXIV، 19 يناير 1924 Alain, Propos sur la religion, LXIV, 19 janvier 1924 -------------------- « في الواقع، يجب أن تكمن قيمة الفلسفة بالأخص، في طابعها اللا يقيني ذاته. إن من ليس لديه أي فكرة ولو سطحية عن الفلسفة يعبر الوجود، أسير الأحكام المسبقة المستمدة من الحس العام المشترك، والمعتقدات المعتادة في زمنه أو في بلده، والقناعات التي ترعرعت بداخله من دون موافقة للعقل ولا تعاونه. بالنسبة لمثل هذا الفرد، يميل العالَم إلى أن يصبح محددا ومحدودا وبديهيا؛ لا تولد الأشياء العادية أسئلة، كما يتم رفض الاحتمالات غير المألوفة بكل احتقار. وعلى العكس مما سبق، بمجرد ما نشرع في التفكير وفقًا للفلسفة،[..] نرى أنه حتى الأشياء الأكثر اعتيادية في الحياة اليومية تطرح مشاكل لا نجد لها سوى إجابات ناقصة. على الرغم من أن الفلسفة غير قادرة، بشكل يقيني، على إعطائنا الجواب على الشكوك التي تحاصرنا، إلا أنها تبقى قادرة على اقتراح إمكانيات تُوسعُ مجال تفكيرنا وتحرر هذا الأخير من طغيان العادة. وبينما تزعزع يقيننا بخصوص طبيعة ما يحيط بنا، فإنها تنمي بشكل كبير معرفتنا بواقع ممكن ومختلف؛ إنها تزيل الدوغمائية المتغطرسة، إلى حد ما، لأولئك الذين لم يعبروا أبدًا منطقة الشك المحرِّر، كما تحافظ على إحساسنا بالدهشة سليمًا من خلال جعلنا نرى الأشياء المألوفة بمظهر جديد. » ب. راسل، مشاكل الفلسفة، الفصل 15 B.Russell, Problèmes de philosophie, chapitre 15 ----------------------------- « إن كلمة «فلسفة» في حد ذاتها تحمل دلالات ضمنية شقية: خالية من المعنى العملي، ومنفصلة عن هذا العالم، وغريبة الأطوار. لدي إحساس أن جميع الفلاسفة وطلاب الفلسفة يعرفون تلك اللحظة من الصمت المحرج، عندما يسألنا شخص ما بكل براءة عما نفعله. من جهتي، أفضل أن أقول إن عملي ينصب على «العبقرية المفاهيمية». لأنه كما يدرس المهندس بنية المواد، فإن الفيلسوف يدرس بنية الفكر. يشترط فهم البنية معرفة كيف تعمل الأجزاء، وكيف تنتظم في ما بينها. ويشترط أيضًا معرفة ما الذي قد يتحسن أو قد يزداد سوءًا إذا ما أدخلنا بعض التغييرات. وهذا بالضبط هو هدفنا عندما ندرس البنيات التي تشكل رؤيتنا للعالم. إن مفاهيمنا أو أفكارنا هي المسكن الذهني الذي نعيش فيه. ومع إمعان التفكير، يمكننا الافتخار بالصروح التي شيدناها. أو على العكس من ذلك، الاعتقاد بأنه يجب علينا تفكيكها والبدء من جديد. ولكن البدء يتطلب معرفة ما هي تلك الصروح. » سيمون بلاكبيرن، التفكير. مقدمة لا تقاوم للفلسفة. Simon Blackburn, Penser. Une irrésistible introduction à la philosophie. --------------------------- « إن الهم الأساسي للفلسفة هو مساءلة الأفكار المنتشرة بين الناس وفهمها، والتي نستخدمها يوميًا من دون التفكير فيها كثيرًا. يطرح المؤرخ أسئلة حول ما حدث في وقت محدد من الزمن الماضي، بينما سيتساءل فيلسوف ما: «ما هو الزمن؟» ». يدرس عالم الرياضيات العلاقات بين الأعداد، بينما سيسأل فيلسوف ما: «ما هو العدد؟» ». يحاول الفيزيائي معرفة مكونات الذرات، أو ما الذي يفسر الجاذبية، بينما سيسأل فيلسوف ما، كيف يمكننا معرفة ما إن كان هناك شيء ما خارج عقولنا. يتوق عالم النفس إلى معرفة كيف يتعلم الأطفال لغة ما، بينما سيسأل فيلسوف ما، «ما الذي يجعل كلمة ما تعني شيئًا ما؟» «يمكن لأي شخص أن يتساءل عما إذا كان التسلل إلى قاعة سينما دون أداء ثمن التذكرة فعلا سيئا، لكن فيلسوفا ما سيتساءل: «ما الذي يجعل فعلا ما يندرج في خانة الخير أو في خانة الشر؟ » » توماس ناجل، «ماذا يعني كل هذا؟ مقدمة مختصرة جداً للفلسفة» Thomas Nagel, Qu›est-ce que tout cela veut dire ? Une très brève introduction à la philosophie -------------------- «عندما يَسأل شخص ما عن جدوى الفلسفة، يجب أن تكون الإجابة عدوانية، لأن السؤال يخفي كونه تهكميا ولاذعا. […] تصلح ]الفلسفة] لإيذاء الغباء، وتجعل من الغباء شيئا مخجلا. وليس لها فائدة أخرى غير هذا: إدانةُ خسةَ الفكر بكل أشكالها. […] وتصلح أخيرًا لجعل الفكر شيئًا عدوانيًا ونشطًا وإيجابيًا. » جيل دولوز، «نيتشه والفلسفة»، الفصل الثالث، 15. Gilles Deleuze, Nietzsche et la Philosophie.