قبيل مرضه أهدى «اليمامة» آخر قصصه وعنوانها «المقابر»..
رحيل جبير المليحان يفتح ملف التأمين وصندوق الأدباء.

شكل رحيل القاص والروائي السعودي جبير المليحان خسارة كبيرة للمشهد الثقافي المحلي والعربي، فقد ترك إرثًا بارزًا في مجال القصة القصيرة، أثرى المكتبة الوطنية بأسلوبه الواقعي العميق، ورحلاته السردية التي جمعت بين الحياة اليومية وعمق التجربة الإنسانية. وقد أثرت كتاباته في جيل كامل من السرديين، وأصبحت جزءًا من ذاكرة القصة السعودية الحديثة رحيل المليحان جاء بعد معاناة مع المرض استمرت اكثر من شهرين منذ إصابته بجلطة دماغية، خضع خلالها للعلاج في أحد مستشفيات أرامكو بالظهران. وقد أثارت حالته الصحية حينها تعاطف الأوساط الثقافية، حيث وجَّه عدد من المثقفين نداءً إلى وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، طالبين فيه بالتكفل بعلاجه وتأهيله، إدراكًا لما يمثله من قيمة في المشهد الأدبي السعودي. وقد أعادت حالة الكاتب الراحل الى الواجهة ملف الـتامين الصحي للأدباء، وإنشاء صندوق لرعايتهم. حيث عكست دعوات المثقفين لدعم علاج المليحان وتأهيله في المرحلة الحرجة التي مر بها قبيل رحيله، شعورًا جمعيًا بالحاجة إلى وجود نظام مؤسسي يضمن للأديب الرعاية الصحية، بعيدًا عن المبادرات الفردية أو التدخلات الاستثنائية التي لا تتسع لتغطية الجميع. قضية مؤجلة قضية التأمين الصحي للأدباء وانشاء صندوق لرعايتهم ليست جديدة، إذ يطالب بها الوسط الثقافي منذ سنوات، باعتبارها جزءًا من البنية الأساسية لدعم المثقف وتمكينه من أداء دوره. ومع بدء نشاط جمعية الأدب المهنية أعلن الدكتور صالح زياد الغامدي، رئيس مجلس الادارة أن الجمعية تضع قصية التأمين الصحي، ضمن أولوياتها، وأنها تسعى إلى بلورة رؤية واضحة تليق بتقدير الأدباء، إلى جانب ملفات أخرى تتصل بتحسين بيئة العمل الأدبي. ويرى المهتمون أن هناك حاجة إلى إطار مؤسسي يضمن للأدباء والمبدعين رعاية صحية تحفظ لهم مكانتهم، فالحالات التي يمر بها كاتب بارز مثل جبير المليحان، أو غيره من المثقفين والإعلاميين، تذكّر بضرورة وجود آليات عملية لتفقّد شؤونهم في أوقات المحن، وفي مقدمتها المرض. ومن بين المقترحات المطروحة إنشاء صندوق خاص بالأدباء يوفّر لهم مظلة رعاية شاملة، على اعتبار أن المجتمعات الحيّة تنظر إلى صانعي الفكر والوعي بوصفهم ركيزة أساسية تستحق كل أشكال الدعم والتكافل الاجتماعي النظامي والقانوني. ويشكل فقدان المليحان خسارة أدبية كبيرة، لكنه أيضا رسالة تذكير بضرورة إعادة النظر في أوضاع الأدباء، وتسريع خطوات إقرار التأمين الصحي التي أعادها اهتمام جمعية الأدب الى الواجهة، كجزء من منظومة أشمل تعزز مكانة المثقف، وتؤكد أن الاهتمام بالمنتج الأدبي يبدأ بالاهتمام بصانعه. وما يزيد من مساحة التفاؤل أن المرحلة الحالية من عمل وزارة الثقافة، بما تتسم به من شمولية واهتمام بأدق تفاصيل المشهد الثقافي، تفتح الباب أمام الالتفات إلى هذا الملف وتسريع معالجته بما يليق بمكانة الأدباء ودورهم في صناعة الوعي. كادر داخل الموضوع آخر نصوص جبير المليحان في غمرة العدوان الإسرائيلي على غزة، بعث كاتبنا الكبير لـ «اليمامة» هذه القصة، التي يُعتقد أنها آخر نص ينشر له في الصحافة. وقد تم توقيع النص بتاريخ 18 نوفمبر 2023م، ما يمنحه بعدًا تاريخيًا. --------- ابداعاته الأخيرة تكشف عن همومه العربية.. آخر القصص الصغيرة، من جبير المليحان. 1-اللعبة جاءت آلاف البواخر، الطائرات، التلفزيونات، والصحف والتحليلات؛ محملة بمساحات واسعة من قطع أراضٍ بجبالها وأنهار ها، وسهولها وصحاريها وشنط دولاراتها. كلها، لتجمع القطع، وتغرس السكان في وطنهم الجديد، بعيدا هناك، حيث منفى ظلمة الحياة. ٢-لغة تعلمت كل كلمات اللغة، وطوال طفولتي كنت أغني بها. الآن نسيتها كلها بعد أن كثرت كلمات الحروب. ٣-فم من فمه الصغير تخرج قذائف المدافع، وصواريخ الطائرات. وعندما يبتسم تتساقط أسنانه البيضاء كجثث أطفال مكفّنين بموت. ٤-وحدة عندما (تعرّفتُ) على الكثير من الناس؛ (اكتشفت) أني وحيد! ٥-ساعة سرق الذي جاء من صديقي ساعته؛ فاختفت ضحكته، وعينيه. لم يجد جمع الناس الكبير لا الساعة، ولا الضحكة، وحتى عندما حفروا التراب لم يبق في أكفهم غير غبار تطاير مع أصواتهم المتفرقة. وبقايا دموع! ٦-الرحلة كلما عدت من سفر طويل، استقبلتني أذرع أبي وهو بجانب النخلة. اليوم وصلني بكاء السّعف وهو يتساقط كالأيام. 19.06.2023 الدمام ٧-زيارة زرت صديقي صباح اليوم وهو جالس في حديقة منزله. قلت له: - للمرة الثانية أزورك خلال هذا الأسبوع؟ قال: - نعم؛ لقد مررت أمس من الشارع، ورأيت سيارتك البنيّة واقفة أمام باب بيتي. كان رحمه الله صادقًا. 13.06.2023 الدمام. ٨-الجثة الطفل ممدد بجانب جدّه الذي قطعت يده اليسرى، وبترت ساقاه. الاثنان ميتان. يقبل جندي حذرا ويطلق شظية رصاص على الجثتين. يقترب أكثر ويطلق الرصاص، ترتفع كف الطفل في الهواء؛ فتمزقها رصاصة، تتفرق الأصابع، تلاحقها الشظايا.. يحرك الهواء رأس الجد، يطلق الجندي رصاص رشاشه على الجمجمة، يتشظى الرأس، وتتطاير بقايا المخ مصبوغة بالأحمر. تنفلت الذكريات وأيام التاريخ وتلتهم المكان، وتتوزع على الجهات. الجمعة 20.10.2023 ٩-المساكن عاد الرجل سعيدًا بعد أن ضمن بناء مساكن أسرته كلها؛ بما فيها الرضيع غسان، والقادم الذي يتربى في جوف عروس ابنه. كان سخيًا وهو يوسع المساحات طولًا وعرضًا. لفت انتباهه أن سكان حارتهم جادون في حفر مساكن عائلاتهم. فكر في اليتامى والأرامل الذين لا أحد يحفر لهم بيوتا. انطلق إلى سوق الأقمشة ليشتري أكفان أسرته، وكان حريضًا أن تكون جديدة وكافية للمّ القطع والأشلاء. السبت 21.10.2023 الدمام ١٠-ندم الطيّار! بعد أن ضغط الطيار على زر القذيفة الذكية لتقويض البناية ذات الطوابق الأربعة؛ لاحظ أن بجانبها بناية ذات ثمانية طوابق، (لابد أن فيها أطفالًا أكثر من بذور هذه الحيوانات البشرية!) تأفف، ولف بطائرته، وضغط لتنطلق قذيفة أخرى لمحو البناية الثانية. الأحد 22.10.2023 الدمام ١١-التوأم الطبيب يوسف ينهمك في علاج الجرحى في الخيمة البيضاء. يأتي الصراخ: بيتك يا دكتور يوسف قصف. يركض الرجال، أم يوسف تتكئ على طابوقة مغمضة العينين، وعلى وجهها بقايا ابتسامة، وبسبابتها المخضّبة تؤشر إلى الشمال، وبقايا خرزات مسبحتها العتيقة في بقايا الكف الأخرى، وبجانبها تسبح أحشاء زوجته في بركة دم. من تحت جدار إسمنت يستخرجون جسد الطفل الصغير بدون رأس، يضمه يوسف ويبكي. لليوم السابع يصلي الطبيب يوسف صلاة الفجر أمام الأنقاض، ويقف ودموعه تغسل رضّاعة الحليب، صارخًا: غسان، أخرج يا غسان! يأتي الرجال ويكفكفون أحزانه، ويقودونه إلى الخيمة. 23.10.2023 - الدمام. متوالية قصص صغيرة : ( مفتاح ) 1 وجدت باب غرفتي مكان النافذة؛ ولم أستطع الخروج. 2 وضعت قدمي على السلم، فسحبني حبل من الماضي. وسقطت في الدور السادس. 3 تهت، ولا أعرف كيف وصلت إلى الدور الأول. وجدت رجلا يمسك بمكبر الصوت، ويصب على رؤوس الحشد الكلام. 4 وجدت جاري يقف في الشارع الفارغ، كلمته فلم يخرج صوتي. أريته المفتاح في يدي ففرّ من أمامي . 5.6.2022 الدمام