كتاب «آفة الحرس القديم» لمجاهد عبد المتعالي..

مقابسات في الفكر والأدب.

وجدت بمكتبتي هذا الكتاب من مطبوعات نادي المدينة الأدبي الثقافي، ط١، ١٤٤٣هـ ٥٢٦ صفحة، والذي بعثه الصديق محمد المنقري من جدة، تصفحته ولعدم معرفتي بمؤلفه لتقصيري بمتابعة الصحف والمجلات لأسباب عدة منها اعتكافي بالبيت لكبر سني واكتفائي بموجودات مكتبتي، وبسبب ازدحام الطرق، ومع بداية جائحة (كورونا) اعتدت على البقاء بالمنزل لأيام وهكذا أصبحت أقضي جل وقتي بالمكتبة أقرأ كثيراً وأكتب قليلاً.  وجدت هذا الكتاب فأعجبني جرأة وصدق ووضوح كاتبه، فبدل قراءة أجزاء منه عدت لقراءته كاملاً فعرفت من معده وجامعه الأستاذ علي فايع الألمعي بمقدمته الممتعة كيف أقنع مؤلفه بجمع مقالاته التي سبق أن نشرها بين ٢٠١٣ - ٢٠١٧م في صحف الوطن والشرق ومكة وغيرها. وأن الكاتب مجاهد بن ابراهيم عبد المتعالي الذي ولد عام ١٩٧٣م، من رجال ألمع، خريج كلية الشريعة، وبدأ الكتابة من عام ٢٠٠٠ بجريدة الوطن رغم تواريه عن الإعلام، ذكر أنه قد أصدر أربعة كتب (سياط الكهنوت) و(حرية الرأي والتعبير بين السيادة والعولمة) و(حجامة العقل بين العدمية والأدلجة). و(المرأة أضحية المعبد) وأنه شارك بندوات في الكويت واليمن والأردن وغیرها.  لقد بذل على فایع جهوداً يشكر عليها أولاً في جمع وتصنيف وتبويب المقالات، وأخذ موافقة كاتبها على جمعها بكتاب والمقالات التي تبلغ ١٣٩ موزعة على ثلاثة أبواب الثقافة والحداثة والايدلوجيا والدين، والمرأة والحرية، والتي أعطاها ما تستحقه ودعاها إلى تطوير ثقافتها لأن العلم والمعرفة يهزمان الخوف. طوال أسبوع وأنا أقرأ باستمتاع تلك المقالات معجباً ومكبراً بصراحة ووضوح وجرأة كاتبها. بعد قراءة الكتاب اتصلت هاتفياً بالأستاذ إبراهيم طالع الألمعي مبدياً إعجابي وراغبا الاتصال بالمؤلف ومعد الكتاب، وقد بادر الأستاذ علي فايع بالاتصال بي بعد أن اتصل به الأستاذ إبراهيم طالع وأعطاه رقم هاتفي، شكرته وأبديت له إعجابي وتقديري.  وعرفت أن الكتاب من مطبوعات نادي المدينة الأدبي الثقافي، والمعروف أن الأندية الأدبية بالمملكة معفاة من عرض مطبوعاتها على الرقابة لفسحها قبل الطبع، وهذه من حسنات طيبي الذكر معالي الأستاذ إیاد مدني والدكتور عبد العزيز السبيل عندما كانا بوزارة الثقافة والإعلام قبل عشرين سنة إذ اعتبرا مسؤولي الأندية ذوي كفاءة وعلى مستوى المسؤولية بحيث يكون مجلس الإدارة هو المسؤول عن رقابة مطبوعات النادي وإعطائهم الثقة، وإلا لو عرض على الرقابة لكان له شأن آخر.  قال المؤلف بعد شكره للأستاذ علي فايع واهتمامه بمقالاته التي نشرت عبر الصحف خلال السنوات الماضية.. وجمعها في كتاب «.. ولما لها من طابع فكري وسياسي واجتماعي وأدبي فإنها تشكل (مقابسات في الأدلوجة والأدب)، لما فيها من محاولة تفكيك لكثير من إشكالاتها المحليـة الحيـة على مختلف الأصعـدة» مجاهد عبد المتعـالي ٢/ ٢/ ٢٠١٩م. وقال علي فايع بمقدمة الكتاب: «.. من يعرف مجاهد عبد المتعالي عن قرب أنه بعيد عن الأضواء، رغم استحقاقه كثيراً أن تسلط عليه الذاكرة الإعلامية. فقد رفض أن يكون ضيفاً في أكثر من حوار تلفزيوني، كما رفض أن يخرج معي في حوار صحفي مع ما بيننا من الود والميانة.. ولعل المتابع يلحظ أن أكثر ما يشغله في هذه الحياة هي المكتبة التي يبخل على أصدقائه برؤيتها، خوفاً من أن يستل أحد منهم كتاباً منها، فلا يعود الكتاب، ويموت مجاهد بحسرته عليه..» وهذا يذكرني بمكتبتي وما أعانيه من الأصدقاء عندما يلحون على استعارة كتاب منها مع التعهد باعادته، ورغم وجود سجل (دفتر) مخصص للاعارات، أسجل به اسم الكتاب واسم المستعير وتاریخ الاستعارة. وبعد مضي أشهر أذكره. وبعضهم وحتى الآن لم يعيدوا ما استعاروه من قبل ثلاثين عاماً مما جعلني أحرم دخولهم مكتبتي، ولعلي أذكر بعضهم إذ مضى أكثر من ثلاثة عقود وهذا يجيز لي ذكرهم فلعلهم يتذكرون ويصحو ضميرهم ويعيدون ولو بعض ما أخذوه، من أقدمهم عبد الرؤف الغزال الذي استعار ستة كتب في ٢٣/ ١٠/ ١٤١٥هـ وسمعت أنه أهداها للمشرف على جريدة اليوم معالي الشيخ فيصل الشهيل رحمه الله. والدكتور ابراهيم صقر المسلم من جامعة الملك فيصل ولصداقته الحميمة ومع ذلك استعار أحد عشر كتاباً - لدي أسماؤها - بتاريخ ١٤١٥/١٠/٥هـ وبعد ثلاثين سنة وعد وأصر على استعارة كتاب (السفر نامة) على أن يعيدها مع ما سبق وحتى الآن لم أر السابق ولا اللاحق، وغيرهما مثل الأساتذة هاشم الجحدلي وعبدالله نور وغيرهم.  ولهذا منعتهم من دخول مكتبتي، وكتبت (الغبي من يعير كتاباً والأغبى منه من يعيده بعد استعارته).  الكتاب لا يخلو من أخطاء مطبعية لا تغيب عن فطنة القارئ، منها: يتمترس والمفترض حسب علمي المتواضع المتمترس ص ٢٨١  واستخبارات، والصحيح الاستخبارات، ص١٥١، وانكشاف سوءتناه ص٣٤٥، واامانيا والصحيح المانيا وغيرها.  لقد وضح في سياق المقالات معاني بعض الأسماء القديمة والحديثة مثل: ترزي = خياط ص٣١٤. والميفا = التنور ص٣٧١. القرن يعادل 100 سنة ص٣٧٣. القطيع = الرعية والراعي ص٤٢٥. طوطم = الحاكمية ص٤٣٩. البازار = السوق، مفساح = مقطار ص٤٥٨ وغيرها. بينما وردت مصطلحات وأسماء أخرى تحتاج إلى توضيح للقارئ العادي مثل: الانتلجنسيا ص٣٠٣. الكمبرادورية، و المافيوزية، والمؤدلج، ص٣٠٩. الريعية ص٣١٠. الجندر- ككوميديا ص٣١١. اللبيروجامية ص٣١٣ أجندتها، أيديولوجيا ص٣١٤. غيتو ص٣١٨. براغماتي ص٣٢٩ الفيتيشية ص٣٣٣. الأناركية ص٣٣٨. جماعة الأميش ص٣٤١ هارموني ص٣٥٧. نیرفانا، الفيزيقي، الميتافيريقي ص٣٦٥ الأناركية، الطوطم، نيرفانا ص٣٦٦. اوليغاركية ص٣٦٧ أترام ص٣٦٩. الركمجة ص٣٩٦. الكارتيل ص٤٠٠.  العلماء الربانيون ص٤٢٠. قانون وولف ص٤٢٥. حضارة المايا العتيقة ص٤٣٨. الكركترات ص٤٦٨. وغيرها.  استفدت من اختصار التعريف: تخصص الشريعة يخرج قضاة ومحامون، وتخصص كلية أصول الدين يخرج دعاة ووعاظ.  ورد في مقال (قانون وولف ورأس السنة الجديدة) ص٤٢٦ «.. ثم جاء الملك فيصل فأعتق العبيد وطور الدولة بمنهج حديث..» وتكررت الإشارة في كتب أخرى أن الملك فيصل هو من حرر العبيد، وفتح مدارس البنات وأسس محطات التلفزيون، وفي الحقيقة أنه قد تم هذا في عهد الملك سعود. إذ لم يتول الملك فيصل الحكم إلا في منتصف عام ١٣٨٤هـ ١٩٦٤م.  - صدر المرسوم الملكي بإلغاء العبودية في المملكة بتاريخ ٦ نوفمبر ١٩٦٢م.  - بدأ التخطيط لتأسيس التلفزيون الحكومي بالمملكة عام ١٣٨٣هـ ١٩٦٣م كما ورد في كتاب (قصة التلفزن) للدكتور عبد الرحمن الشبيلي.  - وصدر المرسوم الملكي بإنشاء مدارس تعليم البنات بالمملكة في ٢٠/ ٤/ ١٣٧٩هـ ٢٢ أکتوبر ١٩٥٩م.  ولعلي بالختام أقف قليلاً بموضوع (شافعية الجنوب أيام زراعة القهوة) ص٣٩١ وبالذات تقاليد شرب القهوة وتقديمها للضيف بمختلف مناطق المملكة، «ومنها رجال ألمع قديماً والتي كانت تنتج البن ولا زالت بعض مزارعها قائمة حتى الآن..» وعن استضافة ابن البادية الذي يقول لصاحب المنزل (أكرمك الله.. لو تطبح امفنجال إلى أمطوق) ويقصد بذلك أقرع أو اضرب رأس الدلة بالفنجال من تصل القهوة إلى طرف الفنجال العلوي... بينما نجد عند أهل جدة، الأمر يختلف.. فيضعون الدلة بين الضيف وصاحب المنزل بعد أن يسكب له أول فنجال.. فيصبح الضيف شريكاً في ملكية الدلة ليصب لنفسه كما يشاء..الخ  أتذكر بعيد الحرب العالمية الثانية حدود عام ١٣٦٧هـ ١٩٤٨م كنا بقرية أو عقلة (معقرة) بالزلفي ويتجمع الرجال بعد صلاة الظهر أو صلاة الفجر في قهوة أحدهم التي تقع خارج المنزل وفيها أدوات إعداد القهوة وتناولها واستقبال الضيوف. وكل واحد مقتدر يحضر قليلاً من القهوة والهيل مصرورة في طرف شماغه، وإذا انتهت الطبخه يتقدم أحدهم طالباً إحضار المحماسة لحمس القهوة وإعدادها من جديد. أتذكر وقتها أنه لا يوجد لديهم سوى فنجال واحد مكسور ومسور أو موسر بالقد - شريط من جلد الماعز لعدم وجود فنجال آخر، وكل واحد يشرب به مرة ويمرر على الآخرين بالتساوي - عدى صغار السن مثلي فليس لهم سوى المشاهدة. إذ أن شرب القهوة عند البادية والحاضرة يحجب عن الصغار والنساء باعتبار أن من معاني القهوة الخمر وأنها من تقاليد الصوفية من أجل السهر على العبادة والذكر بل إنها محرمة في العهد العثماني, وأن موكا إنما تعنى مدينة «مخا» اليمنية التي تصدر القهوة أو البن إلى خارج اليمن. وأن البادية يفضلون القهوة البرية التي تحمل على الإبل إلى سائر مناطق نجد كما يقول الباحث سعد بن جنيدل بخلاف ما يحمل على السفن لتأثره بالرطوبة وروائح البحر والديزل والكيروسين ونحوه.