تجارب تنعش الذاكرة

التجارب الجديدة تنعشك ذهنيًا وبدنيًا؛ وتنطبع في ذاكرتك. في إحدى المرّات قررت أن أهرول بين مزارع قريظة جنوب شرق المدينة المنورة، وكان ذلك في فصل الشتاء طبعًا، وكنت أعرف تلك المزارع التي يتخللها طرقات متعرجة. ومرة صعدنا قرابة الربع من إحدى قمم جبل ورقان ـ يبعد حوالي 70 كيلومترًا على طريق الهجرة السريع، ويُعَدّ من أعالي جبال المدينة المنورة. كانت التجربة رائعة، لكننا لم نواصل لأننا لم نستعد لها مبكرًا، وحَسِبْنا حساب النزول كي لا يدخل علينا الليل. وأتذكر أنني خاطبت قمته: يا جبل ورقان قبل العمر يمضي ودنا نرقاك والقمة عسيرة وكنت قد تصفحت قبل مدة دراسة جميلة عن هذا الجبل بعنوان (جبل ورقان في الجغرافيا والتاريخ والأدب) للباحثين فهد الصاعدي وطلال الصاعدي، تُعرّف بالجبل وما حوله من ديار وما يتصل به من أودية، إضافة إلى وصف بيئته النباتية والحيوانية. ولي، كغيري، مع الخيل تجربة ليست قصيرة؛ اقتنيتها وجريت بها، وسقطتُ منها، وبتّ أحفظ بعض ما قيل فيها من شعر، وما زالت تلك التجارب تنعشني كلما ترهلت. لاحظ نفسك كذلك في السفر إلى ديار تصافحها لأول مرة، كيف تشعر بسعادة غامرة حين تزور معالمها وتتحدث مع ناسها، مع أنك تركت خلفك أقارب وأحباء. لكن من تقابلهم لأول مرة ليس بينك وبينهم حمول اجتماعية: لا عتب ولا غيره. لقاء يمضي سريعًا كما هو السفر، الذي لا تدوم أيامه، ولا بد من عود. الجلوس الطويل في مكان واحد ممل، وإن جمعك بأعزّاء على قلبك. لم تكن تجربة الاستراحات باعثة للتجدّد، وتحتاج إلى أن تكون متوازنًا في ارتيادها. لكن الاستمتاع والتريُّض يكمنان في التنوّع؛ ولذلك أحث نفسي وبعض أصدقائي على ذلك. وأتطلع إلى أن أتعلم وأشاهد وأقرأ ما يقع بين يدي من كتب في التراث والشعر والأدب، ومثلها بعض الكتب المترجمة خصوصًا في جانب العلوم الحديثة. تلك الأشياء تجعلك تشاهد الحياة بمناظير متعددة، وتعرف أنها لا يمكن حصرها في تجاربك الخاصة وما تعلمته في قاعة الدرس. التجارب الإيجابية المتجددة والجميلة نافذة، ولا تنحصر في رياضة تتعلم مهاراتها أو بلدان بعيدة تزورها، وربما كان الجمال في متناولك ولم تلتفت إليه، على طريقة من قال: كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمولُ