«اللّهاية» الرقمية ..

خطر يهدد عقول أطفالنا.

في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات رفيقًا حاضرًا في تفاصيل حياتنا اليومية، تسلّل الهاتف الذكي إلى عالم الطفولة ليتحوّل من أداة ترفيهية إلى “لهاية عصرية”. غير أن هذا الاعتياد البريء في ظاهره يخفي وراءه آثارًا نفسية وعصبية موثقة، تفرض على الأسرة إعادة النظر في علاقتها الرقمية مع أبنائها. الهاتف بديلاً عن اللعبة والكتاب لم يعد مشهد الطفل الذي يلهو بدمية أو يقلب صفحات كتاب مصوّر هو المشهد الأكثر حضورًا في يومياتنا؛ فقد تسلّل الهاتف الذكي إلى أيادي الصغار، ليؤدي دور “اللهاية الحديثة” التي تهدئهم وتُسكت بكاءهم وتمنح الأهل لحظة من الهدوء. ومع أن هذا السلوك يبدو مريحًا، إلا أنه يحمل انعكاسات خطيرة على المدى البعيد. أضرار موثقة علميًا تشير دراسات حديثة إلى أن الإفراط في استخدام الشاشات خلال الطفولة المبكرة يضاعف احتمالية الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ثلاث مرات، مقارنة بالأطفال الذين يقضون وقتًا أقل أمام الأجهزة. كما يكشف باحثو المعهد الوطني للصحة النفسية أن الاستخدام المفرط للشاشات يرتبط بارتفاع القلق والاكتئاب وضعف مهارات التواصل الاجتماعي. أثر يمتد إلى الدماغ الأمر لا يقف عند حدود السلوك، بل يصل إلى بنية الدماغ نفسه؛ فقد أوضحت المؤسسة الأمريكية لأبحاث الدماغ أن كثرة التعرض للشاشات تحدث تغيرات في المادة البيضاء المسؤولة عن سرعة نقل الإشارات العصبية، وهو ما ينعكس سلبًا على قدرات التعلم والذاكرة. وفي بعض الحالات، تظهر أعراض شبيهة باضطرابات طيف التوحد، خاصة إذا بدأ الطفل استخدام الأجهزة قبل عمر السنتين. وهم الراحة اللحظية ورغم وضوح هذه النتائج، ما زال بعض الآباء والأمهات يبررون اعتمادهم على الهاتف بوصفه وسيلة “لإشغال الطفل” أو “إراحته”، متغافلين أن هذه الراحة العابرة ستُسدد لاحقًا من رصيد الصحة النفسية والعاطفية للطفل. فكما أن الإفراط في التدليل يُضعف الشخصية، فإن “التسكيت الرقمي” يضعف النمو الاجتماعي والانفعالي. بدائل تبني الدفء الإنساني الحلول ليست بعيدة المنال؛ إذ يمكن أن تحل القراءة المشتركة محل الشاشة، وأن يفتح اللعب التفاعلي أبوابًا للتواصل الحقيقي، وأن تمنح لحظة احتضان أو حوار قصير شعورًا بالأمان والدفء، وهما ما لا توفره أي وسيلة رقمية. خاتمة إن ما يحتاجه الطفل في نهاية المطاف ليس شاشة مضيئة، بل قلبًا يحتضنه ووقتًا يُمنح له بصدق. لنجعل التكنولوجيا خادمة لاحتياجاتنا، لا مربية بديلة لأطفالنا.