سيكولوجية الإدارة.

بدايةً.. لتكن لدينا المرونة لنتقبل فكرة أن في الإدارة، وكذلك في الحياة بأكملها، ليس شرطاً أن يكون “الأفضل” هو من يتولّى الأمور، ولكن يتولاها “الممكن”. أي بمعنى أنه ليس من الضرورة أن يكون أفضل وأذكى وأكفأ من في هذا المكان أو ذاك هو من يكون القائد، ولكن يمكن أن يقود “الممكن” أي الذي لديه الحد الكافي ويمكنه أن يسيّر الأمور بشكل صحيح وليس شرطاً أن يسيّرها بشكل “أصح” ومثالي وإبداعي، خصوصاً في البيئة الوظيفية التي لا تتوفر فيها الممكنات الحقيقية للإبداع والتميز. هذا الأمر ذاته هو ما جعل الفقهاء أيضاً يستحدثون قاعدة فقهية تنص على أنه يمكن أن يتولّى “المفضول حتى مع وجود الفاضل”، وذلك على خلفية الأحداث التي رافقت الخلاف السياسي الذي حصل بين الصحابة في القرن الهجري الأول. هذا من حيث المبدأ؛ وذلك حتى لا يتسلل الاكتئاب والإحباط إلى قلوب ملايين الموظفين والموظفات وخصوصاً الجدد. إن طبيعة العمل الإداري تتشكل تلقائياً بهذه الجغرافية المعقدة في أي مكان حول العالم إذا لم يكن المسؤول الأول والسياسات العامة للمنشأة ووضوح الأهداف، كل ذلك، يدفع نحو بيئة عمل إبداعية تحفّز للإبداع وتمنح الإلهام وتغلق الطريق نحو تكوين كانتونات شللية داخل المنشأة لا تعمل سوى لمصالحها الخاصة. أما بالنسبة للمدير فهو على أنواع، ولكن أسوأ المدراء هو ذلك الذي لا يهمه العمل أو تطوير العمل بقدر اهتمامه بشعوره بأنه مدير وكفى. هناك أشخاص كثر جاؤوا من بيئات مهمشة، أو أن يكون هو نفسه لا يحظى بمكانة بين أقاربه ومحيطه، فحين يصل إلى أي منصب قيادي يبدأ تلقائياً في تعميق شعوره بأدوات المنصب، بدءاً من تغيير طريقة جلوسه وحديثه وتظاهره بالمكانة، وانتهاء بتصرفات الاستبداد وعدم تقديم أي احترام للمرؤوسين لديه. إلا أن هذا النوع من القادة بمجرد تركه للمنصب لأي سبب من الأسباب ينهار فوراً وربما يدخل في مشكلات صحية خطيرة؛ وذلك بسبب هول الفارق الذي لمسه بين مرحلة المنصب وما بعدها. على أية حال.. على كل صاحب منشأة، أو المسؤول التنفيذي الأول فيها، أن يعيد بين كل فترة وأخرى تقييم مفاصل المنشأة، ويقترب أكثر من تفاصيلها الصغيرة التي لا ترى من موقعه، لأن في وسط تلك التفاصيل يكمن أخطر أسرار التحول الجذري المخبوء في أي منشأة، ومفتاح طرقها الجديدة، سواء إلى الإبداع والتألق أو إلى التآكل والترهل ومن ثمّ بداية النهاية.