ولي العهد أمام الشورى:

رفعة المواطن غايتنا، والتنمية لا تعرف التردد.

في 18 ربيع الأول 1447هـ (10 سبتمبر 2025م)، افتتح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله. الخطاب لم يكن مجرد تقليد دستوري سنوي، بل وثيقة جامعة تضع خطوط المرحلة المقبلة، وتوازن بين الثوابت التاريخية والمتغيرات الراهنة. من خدمة الحرمين الشريفين والشريعة الغراء والعدل والشورى، إلى التنويع الاقتصادي والذكاء الاصطناعي والدفاع، وصولًا إلى الموقف العربي الصلب تجاه فلسطين وقطر وسوريا. الاقتصاد: الأرقام تتحدث المحور الاقتصادي تصدّر الخطاب بإنجاز غير مسبوق: لأول مرة في تاريخ المملكة، تحقق الأنشطة غير النفطية 56% من الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز 4.5 تريليون ريال. هذه النسبة تختصر جوهر رؤية 2030، حيث لم يعد الاقتصاد السعودي مرهونًا بتقلبات أسعار النفط، بل قائمًا على التنويع والاستدامة. كما كشف الخطاب عن تجاوز المملكة لمستهدف 2030 باستقطاب 660 شركة عالمية اتخذت الرياض مقرًا إقليميًا لها، وهو ما يعكس قوة البنية التحتية ومستوى الخدمات التقنية المتطور. هذه مؤشرات تؤكد أن الاقتصاد السعودي بات مركزًا جاذبًا عالميًا، لا مجرد لاعب إقليمي. الاستشراف: الذكاء الاصطناعي والدفاع لم يقتصر الخطاب على الإنجاز، بل ركّز على الاستعداد للمستقبل. في قطاع التقنية، أُبرمت اتفاقات في الذكاء الاصطناعي تهدف إلى جعل المملكة مركزًا عالميًا لهذا المجال خلال سنوات قليلة. أما في القطاع العسكري، فقد ارتفعت نسبة توطين الصناعة الدفاعية من 2% إلى 19%، وهو تحول نوعي يترجم توجه القيادة إلى امتلاك مقومات الردع، وتوطين الصناعات، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الصناعي. المالية العامة: القوة والانضباط أكد سمو ولي العهد أن قوة المالية العامة ليست هدفًا بذاتها، بل أداة لضمان التنمية المستدامة. أبرز النقاط كانت: •انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته. •ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أعلى درجاتها. •تراجع نسبة محدودي الدخل، مع تحسين جودة الحياة للمواطن والمقيم والزائر. لكن الإشارة الأبرز جاءت بخصوص ارتفاع أسعار العقار السكني إلى مستويات غير مقبولة. هذا الطرح الشفاف يعكس إدراك القيادة لحساسية الملف، والتزامها بوضع سياسات تعيد التوازن وتخفض الكلفة وتوسع خيارات السكن. المرونة الإدارية: لا قداسة للبرامج من النقاط اللافتة في الخطاب الذي ألقاه سمو ولي العهد التأكيد على أن البرامج والمستهدفات ليست جامدة، بل قابلة للإلغاء أو التعديل إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك. هذه المرونة في إدارة الملفات الاقتصادية تعكس نهجًا عصريًا في الحوكمة، قائمًا على المراجعة المستمرة، واستعداد دائم لتصحيح المسار دون تردد. السياسة الخارجية: المواقف الحازمة الشق السياسي جاء برسائل واضحة وحادة: •إدانة العدوان الإسرائيلي على قطر، والتعهد بدعمها “بلا حد”، وتسخير كافة إمكانيات المملكة لنصرتها. •تأكيد الموقف الثابت من فلسطين: غزة أرض فلسطينية، وحقوق أهلها لا تنتزع بعدوان، ومبادرة السلام العربية 2002 هي الإطار الواقعي لحل الدولتين. •الإشارة إلى نجاح المؤتمر الدولي في نيويورك بحشد غير مسبوق لصالح الدولة الفلسطينية، ما يعكس الدور القيادي للمملكة في إعادة القضية إلى الواجهة الدولية. •في ملفات الإقليم الأخرى، واصلت السعودية دورها المحوري: رفع العقوبات عن سوريا، دعم وحدة أراضيها، ومساعي الاستقرار في لبنان واليمن والسودان. بهذا، أكّد الخطاب أن المملكة ليست مراقبًا للأحداث، بل صانعًا لها ومحددًا لاتجاهاتها. مجلس الشورى: شريكاً في التطوير خصّ الخطاب الذي ألقاه سمو ولي العهد مجلس الشورى بالثناء على إسهاماته في تطوير الأنظمة واستكمال المنظومة التشريعية. الرسالة واضحة: التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى سند تشريعي عصري يواكب التحولات ويصون المكتسبات. المواطن أولًا… والخلاصة انتهى خطاب ولي العهد كما بدأ: المواطن هو البوصلة والغاية. كل ما استُعرض من إنجازات اقتصادية، وسياسات خارجية، وتحديث تشريعي، يصب في هدف واحد هو رفعة المواطن وتقدّم الوطن. وبذلك يمكن القول إن الخطاب شكّل بيانًا سنويًا شاملًا: •في الداخل، عكست الأرقام غير المسبوقة قوة الاقتصاد وشفافية القيادة في مواجهة التحديات. •في السياسة الخارجية، برزت السعودية لاعبًا صلبًا، داعمًا للشركاء العرب، ومدافعًا عن الحق الفلسطيني. •وفي التشريع، تأكد أن الشورى شريك في استكمال البناء المؤسسي للدولة الحديثة. إنها رسالة ثقة واستمرارية: السعودية تمضي بثبات، والرؤية تتطور، والمواقف تتجدد، لكن الهدف الأسمى لا يتغيّر: المصلحة العامة وكرامة المواطن.