عن الوطن والوطنية..

حضن الانتماء ودفء الهوية.

في كل عام، ومع إطلالة اليوم الوطني السعودي المجيد، تتجدد مشاعر الانتماء والفخر والمحبة لدى كل من على أرض المملكة العربية السعودية الحبيبة. ومع كل نبضة قلب، تعلو معزوفة الفرح في هذا اليوم، هذه الأرض التي احتضنت الجميع بكل حب وعطاء. في مثل هذا اليوم، لا نجد إلا أننا نغوص في أعماق ذلك المفهوم الشاسع. الوطن ليس مجرد حدود جغرافية تُرسم على الخرائط، ولا أرقام هوية تُسجل في السجلات، بل هو كيان حي ينبض في قلوبنا، يمسّه ما يمسّنا ويمسّنا ما يمسّه. هو ذاكرة الطفولة التي تشكّلت في أصقاعه، الماضي الذي يفوح من أرضه، وهو أمل المستقبل الذي يشرق في سمائه. إنّه ببساطة الحضن الكبير الذي يحتضن وجودنا وكينونتنا. كثيرًا ما نردد كلمتي “الوطنية” و “الانتماء”، ولكن هل ندرك حقًا أثرهما الحقيقي على النفس البشرية؟ حب الوطن فطرة إنسانية أصيلة، وهو شعور لا إرادي ينبع من القلب والروح. هو ارتباط عاطفي يربط الإنسان بالأرض التي وُلد ونشأ عليها. الإنسانية بطبيعتها تبحث عن الاستقرار والجذور، والانتماء للوطن يعدّ من أقوى مصادر الاستقرار النفسي والوجودي. وهذا ما يجعل الإنسان مستعدًا لتقديم روحه فداءً لوطنه. حين ينتمي الإنسان إلى أرض وتاريخ ومجتمع، يشعر بأنّه جزء من كيان أكبر، ينتفي شعوره بالاغتراب، ويحلّ محله إحساس عميق بالتوازن؛ توازن نابع من معرفة الإنسان مكانه في العالم، ومن يقينه الدائم بأن له مرجعية وهوية راسخة. شعور يمنحك الثقة لتمثّل قيمك وتراثك أينما حللت، وهو الذي يمدّك بالقوة لتبني وتبدع وتزدهر، لأنك تعلم أن هناك أرضًا تحتضن أحلامك وتحتوي بنيانك. إنّه التوازن بين الفرد والجماعي، بين الحقوق والواجبات، بين الحلم والواقع. لا يمكننا الحديث عن حب الوطن والانتماء إليه دون التوقف عند أعظم وأكبر نعمة ننعم بها على هذه الأرض الحبيبة، مملكتنا العربية السعودية الغالية: نعمة الأمن والأمان. الأمن والأمان ليسا مجرد حالة من غياب الخوف، بل هما المناخ الأساسي الذي تزدهر فيه الحياة، وتنمو الطموحات، وتُبنى الحضارات. كيف سيبدع الإنسان أو يخطط للمستقبل وهو قلق على حياته وحياة كل من يحب؟ إن الاستقرار والأمان الذي نعيشه في هذا الوطن إنما هو ثمرة جهود عظيمة، وهو الدرع الأقوى الذي يحمي حبنا وانتماءنا، ويسمح لنا أن نترجمها على شكل فعل وإنتاج. فالأمن هو الرحم الذي تولد فيه كل ذواتنا الوطنية. ولُب القول وخلاصته: إن الانتماء والوطنية في حقيقة الأمر ليستا كلمات تُكتب في الأوراق الثبوتية فحسب. الهوية الرسمية تثبت حق المواطن القانوني، وهو حق عظيم، لكن جوهر الانتماء الحقيقي أعمق من ذلك بكثير. الانتماء هو ذلك الحنين الذي يعتريك عند سماع لهجة بلدك، وذلك الفخر الذي ينتابك عند رؤية علم وطنك يرفرف عاليًا. هو ذلك الحب الفطري لأرضك وترابها، الذي ترعرعت عليه. هو ما يجعل من وُلد وتربّى ونشأ على هذه الأرض، وتغذى على حبها، وشرب من مائها، وتنفس هواءها، واحدًا من أبنائها بقلبه وروحه، حتى لو اختلفت الأوراق الرسمية. الانتماء هو قصة حياة، هو الذكريات التي نسجتها في مدرستك وحيّك ومدينتك. هو ذلك الرابط غير المرئي الذي يربطك بكل من شاركك العيش على هذه الأرض وشاركك تاريخها. في هذه المناخات الوطنية، ونحن نحتفي بهذا الوطن الغالي، علينا أن نتذكر أن حب الوطن ليس شعارًا نرفعه في المناسبات، بل هو التزام دائم بالعمل من أجل رفعته، والمحافظة على مكتسباته، وغرس قيم الانتماء والوطنية في أجيالنا القادمة. فالوطنية الحقيقية تظهر في صدق المشاعر، وفي إخلاص العمل، وفي تقدير الأمن والأمان الذي نعيشه تحت ظله ونستشعره. فلتكن مشاعرنا تجاه هذا الوطن الطيب نابضة بالحياة، عاملة بالبناء، شاكرة لله على نعمة الاستقرار والأمان، ومدركة أن الانتماء هو هوية القلب والروح قبل أن يكون هوية على الورق.