
يهتم الفنان هشام بنجابي (رحمة الله عليه) بتسجيل مظاهر الإنسان والمكان، والصياغة الجمالية والهوية البصرية لأم القرى ليمنحها حضورًا واثرًا خالدًا في الذاكرة، بالإضافة الى البيئة والحياة الصحراوية بعبقها وجمالها، موظفا عنصر الخيال والأحاسيس الذاتية، والتحرر من الواقعية العتيقة، الى التخيل الرمزي المجرد من أجل الإيهام بالبعد الثالث والإيحاء بالتجسيم، فاستطاع أن يوحي بالضوء، الذي ينبع من الأجسام نفسها، وليس مُسلَّطًا عليها كما في أعمال الواقعيين، وهي من أهم المقدرات وأشدها تأثيرا لفنه، وهي مقدرته الخاصة، والسّبب في العمق والتنويع العجيبين اللذين يتصف بهما، بكل هذه الإمكانات الفنية والتقنية، لا يملكها أي فنان مهما كانت براعته وقدراته وثقافته، فهذه الملكة الربانية التي وهبها الخالق للفنان هشام، ولدت معه وتعتبر احدى مكونات دمه، ومحفورة في ذاكرته، ونابضة في قلبه وغارسة في وجدانه، تخلق في رؤيته البصرية العديد من الرؤى، لأن غايته في الفن أن يصدم المُشَاهد قبل أن يستفسر عن معانيها، لأنها في النهاية ترجمة مباشرة لانفعالاته والقدرة في طرحها وتعامله الحرفي مع ادواته، بدءا من تقنية الألوان على شاكلة الرومانسيين وعلى خطى الواقعية ومنهجية التعبيرية الفرنسية، حتى في بعض الأحيان هناك تضاد في بعض أعماله واستعارات مجردة، ليوحي بالتجسيم والحركة، ولكن بما لا يخل بالنسق، فجميعها جوقة متناغمة بالمفردات وفلسفة الألوان، تتغلغل في عمق النفس الإنسانية، المفعمة بسمو الإحـساس والخيال الفكري والوعي الفني، لأن العمل الفني في كثير من الأحيان، هو جملة استعارات لترجمة أحاسيس ذاتية الفنان، وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين، (مثل) اعماله عن (لفرس) فمن الوهلة الأولى هي – واقعية - لمخلوق جميل كائن حي له مظهره وشكله المتناسق الرشيق وووالخ، ولكن مع تأمل اللوحة والخلفيات المرسومة وديباجاتها وطريقة تنفيذها وألوانها وحركة الفرس، غير ذلك، هي رمزا للشموخ والنبل والقوة والجمال ودلالة العلاقة الودية والوفاء مع الإنسان، فالفرس في اعماله وهو الذي اشتهر بها، حتى اصبحت علامة فارقة له، تحسب له بالأستذة والريادة، فهي ايقونة أعماله الفنية لأكثر من نصف قرن، متأثرا بها وعالما بها وبأسرارها وحياتها وطباعها وتكويناتها وفصائلها واجناسهـــا وأشكالها، واهتم بها وتآلف معها ونبعت بينهما صداقة وعلاقة ود وحب، ترجمها في العديد من لوحاته المهمة والتي واكبت حياته الفنية، وكانت من اهم قضاياه التشكيلية ونجح فيها بجدارة، تنم عن سمو المعاني، تنبض بالحياة والخصوصية والتميز، ولا عجب في ذلك، ففي ذلك رسالة ومضامين ومنهج ثابت يتبعه، لتحقيق معاني المفردات المتوافقة مع فلسفته الفكرية وصدق مضامينها وقوة تأثيراتها، التي لا تفرضها مقولات أو مؤثرات تنظيرية- ولابد من القول- انه ليس من الذين يركضون للتحديث والحداثة دون وعي، أو الذين يرسمون الأشكال والمفردات نقلًا عن نموذج مشاع، فهو ينتقي ويبحث عن مواطن الجمال ومكامن الإبداع، للوصول الى مكنون الأشياء قبل أشكالها، لأنها موجودة في فكره ووجدانه زاخرة مستعدة للاندفاع ولأن تُثار، متحفزة للانطلاق، فلديه قناعة مطلقة أن الرسم يتيح له ولعالمه تدفقا تلقائيا صادقا، ليعطي للمتلقي صدى الانفعالات الصادقة العميقة، لأنه في النهاية، تعبير عن العاطفة وممارسته متعة وراحة نفسية