
عرفت وغيري الأستاذ علي بن سعد الخرجي من عام 1385هـ عندما بدأ يطالعنا صباح كل يوم من خلال رسوماته (الكاريكاتير) بجريدة الرياض، وازداد شهرة عندما رسم صورة بقرة ترعى بالظهران وتحلب بالرياض، وأخرى اثناء حرب 67، 1387هـ والذي رسم لوحات جريئة ينتقد فيها أمريكا على وقوفها مع العدو الإسرائيلي. عرفت أنه قريب للفنان التشكيلي عبدالجبار اليحيا (ابن خاله) وطفولتهما متشابهة وعاشا بين البصرة والزبير في العراق. دعوتهما لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية للتسجيل معهما ضمن برنامج (التاريخ الشفوي) وتم ذلك بتاريخ 28/8/1418هـ وعلى مدى ثلاث ساعات تحدثا عن المحطات المهمة في حياتهما لكونهما عاشا في بيئة واحدة وعادا للمملكة معا. ومن خلال مقابلة صحفية مطولة مع الخرجي أجراها شقران الرشيدي بمجلة اليمامة أحببت أن أختار بعض ما ذكره بها. افتتح المحرر مقابلته بقوله: (أجمل ما قيل عن بدايات الفنان (الخرجي) في بداية مشواره الفني أنه قد علم الناس قراءة الصحيفة من الخلف.. وقال الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز في حفل التكريم الذي أقيم مؤخراً لـ (الخرجي): إنه مبدع في رسمه وقد تميز في تعليقاته لأكثر من ربع قرن قضاها رساماً رائداً لفن الكاريكاتير في الصحافة المحلية، ولقد كان الخرجي واحداً من أبرز صانعي (الكاريكاتير) في صحافتنا المحلية.. وها هو الآن يحكي لنا عن بداياته الفنية ودراسته وتأسيسه لنادي الفروسية..) . قال إن والده ولد في هجرة (عشَيرة سدير) بمنطقة نجد، وهاجر إلى الكويت وعمره لا يتجاوز 12 عاماً ليعمل في مهنة الغوص في البحر للبحث عن اللؤلؤ، وبعد عدة سنوات حقق له رأسمال جيد، سافر إلى العراق والهند ليعمل في تجارة الخيل المعروفة بـ (الحمدانيات) و(الصقلانيات). وفضل الاستقرار بالبصرة التي كانت مزدهرة ونشاطها التجاري في أوجه وكانت مطلباً لأهالي نجد ولهم مثل شعبي يقول (اللي ما يزور البصرة يموت حسرة) فاشترى مزرعة لتربية وتهجين الخيل. (ولدت أنا وقضيت جزءاً من حياتي في مدينة البصرة التي ساهمت بطابعها الشرقي وانفتاحها في زيادة خبرتي ومعرفتي كما تلقيت تعليمي الأولى فيها.. ثم عدنا في بداية الخمسينات الميلادية إلى المملكة وبالتحديد مدينة الخبر) ثم انتقل إلى جدة.. وبعدها بعث للدراسة بالقاهرة ثم عاد للمملكة واستقر بالرياض. وقال: كنت في دراستي بالقاهرة مبتعثاً من مكتب المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم – اليونسكو- الذي أسس بالقاهرة عام 1374هـ 1954م لدراسة الهندسة والتخطيط القروي لمدة سنتين وكنت اثناء البعثة اتابع الصحف المصرية، وتأثرت كثيراً برسامي الكاريكاتير المصريين فسجلت في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم الرسم الحر وتخرجت منها بتقدير عال، عدت للمملكة بعد خمس سنوات عام 1379هـ 1959م وكنت قبلها قد عملت بحكم إجادتي اللغة الإنجليزية موظفاً في مكتب سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز وزير المواصلات في ذلك الوقت. عملت بعد عودتي من البعثة بمصلحة الطرق والكباري بمدينة جدة، وكنت مكلفاً بالتنسيق بين المكتب الهندسي والإدارة العامة. وفي المصلحة كانت فرصة أن أمارس ما درسته من (مبادئ الرسم الحر والتشخيص الكاريكاتيري الطريف) في رسم زملائي، وجمعت الرسوم والتعليقات الساخرة للتسلية، ومن الزملاء إبراهيم العثمان الذي نقل إلى الرياض، وكانت تربطه علاقة قوية بالأستاذ عمران العمران رئيس تحرير جريدة الرياض الصادرة حديثاً وكانت الجريدة تبحث عن من يرسم الكاريكاتير، فعرض إبراهيم شيئاً من رسوماتي عليه فأعجب بها فطلبني للعمل في الصحيفة. وبالفعل نقلت خدماتي من فرع عملي بجدة إلى مدينة الرياض لكي أكون قريباً من الصحيفة، ومارست العمل عام 1965م وحققت نجاحاً منقطع النظير من أول رسوماتي. واذكر أن الشاعر محمد الفهد العيسى قال معلقاً على زيادة نسبة التوزيع (إن الخرجي علم الناس قراءة الصحيفة من الخلف). وعن تأسيس نادي الفروسية يقول: أتاني أحد ملاك الخيل واسمه (الفدعاني) وكان صديقاً لي مشتكياً (يا علي خيولنا تعضعضها الكلاب.. يا أخي ارسم عن مشكلتنا في الجريدة عسى أن تحل على يديك) يقصد الكلاب السائبة المنتشرة في حي الملز.. وتهاجم الخيول كلما رغبوا في إخراجها للتمرينات خارج الاسطبلات. ورسمت شخصية أبو صالح راكباً على عسيب كعادة أبناء الريف والبادية وكأنه راكب على حصان سباق، وأحد المارة يسأله إلى متى يا بو صالح..؟ فيرد عليه أبو صالح: (إلى أن يفتحوا لنا نادياً للفروسية!!) وفي اليوم التالي وجهني سمو أمير الرياض بمتابعة الموضوع بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتم إنشاء النادي وتم اختياري بالإجماع من ملاك الخيول رئيساً للنادي لمدة خمس سنوات. وقال مطالباً بإنشاء كلية لفن الكاريكاتير وجمعية تضم الفنانين. ((إن للرسم الكاريكاتيري تأثيراً في السلوك الذي هو تصرف الفرد وبالتالي الجماعة وعندما تسعى لتغيير هذا السلوك مستخوفاً الأسلوب الأمثل فإنك تستطيع التأثير في بعض التصرفات السلبية..)). وعن رأيه في أبرز الفنانين، قال: الخنيفر والوهيبي، أما عبدالسلام الهليل فينقص رسوماته العديد من أساسيات الرسم الكاريكاتيري فالحركة مفقودة تماماً في رسوماته، ويعتمد على النكتة بشكل رئيسي. وعن انتقاد البعض لعدم فهم رسوماته وبعضهم يقول إنها أفكار قديمة، وعدم التطرق للقضايا الاجتماعية. أجاب: ((هذا غير صحيح.. لقد عرف عني أنني أرسم بالتعليق الموجز وأحياناً أفضل أن أرسم بدون تعليق، وأنا أركز وأركز حتى أحصل على الفكرة الواضحة للجميع بدون شوائب وأقتنع بها ثم أترك للقارئ مجالاً للفهم باستخدام أسلوب المختصر المفيد (ما قل ودل).. ولدي خبرة ودراية في نوعية وكيفية المعالجة التي أرغب والتي تصل بشكل مباشر للمسؤول والقراء، مثل ظاهرة غلاء المهور والزواج، وقضية المخدرات، والوعي المروري، والعديد من القضايا الاجتماعية الحساسة. وأخيراً إن الرسوم الكاريكاتيرية رسالة موقف ناقد، وليست للضحك والتسلية..». ومشاعره أثناء تكريمه قال: ((لقد مثل لي حفل التكريم مشاعر رائعة وسامية ومجتمعنا – لله الحمد- مجتمع متحضر يقدر من يعطي ويكافئ المتميز ويكرم من ساهم في خدمة بلده، وبما أنني أول رسام كاريكاتيري يتم تكريمه فمشاعري لا توصف، وصدقني أنني أثناء حفل التكريم مربي شريط من الذكريات الجميلة القديمة وتعب السنين الطويلة التي كنت أعمل فيها أكثر من 18 ساعة متواصلة. وقد حاولت أن أحبس دموعي ولكنني لم أستطع وأشكر من ساهم في حفل تكريمي ولا يسعني إلا أن أهدي بلدي هذا البيت من الشعر: ان كنت متيمتي فتهامة بلدي وإن كنت منجدتي فأصل الهوى نجد ترجم له علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية) ط2، ج2 قال أنه من مواليد قرية عشيرة من قرى سدير، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية وجزءاً من دراسته الفنية بالعراق.. قدم برنامج (بابا علي) للأطفال من إذاعة الرياض، وهو موظف بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. ومن مؤلفاته: (أبو صالح والدنيا – رسوم وتعليقات بجريدة الرياض. أصدرت له تهامة (خطوط وكلمات). - وترجم له سمير مرتضى في (معجم الصحفيين في المملكة العربية السعودية) ج1، ط1، 2008م. من مواليد عشيرة من قرى سدير 1352هـ. عمل مترجماً في هيئة مراقبة الأجانب بعرعر. عمل في عدة دوريات سعودية وعربية منها: مجلة أهلاً وسهلاً، ومجلة العهد الجديد اللبنانية، ثم جريدة الجزيرة – وقبلها في جريدة الرياض. وفي كتاب (خطوط وكلمات) من إصدار تهامة. قدم له تركي السديري بقوله: (يعتبر الأستاذ علي الخرجي الرائد الأول في إعطاء الكاريكاتير ثقله الصحفي كمادة يومية متنوعة الأهداف إذ كانت معظم المحاولات مجرد ممارسات تظهر تارة وتختفي أخرى حتى استطاع فناننا المعروف (أبو ناصر) أن يرسخه ضمن مادة الصحافة، ولا أبالغ إذا قلت إن الفترة التي سبقت تطوير العمل الصحفي شكلاً وحجماً وأهدافاً ومضامين كان فيها كاريكاتير الخرجي يمثل صحيفة متكاملة تخاطب القارئ بالنقد الساخر لكثير من العيوب الاجتماعية.. إن شخصية (أبو صالح) الشعبية التي أبدعها الخرجي في أذهان الناس كوجه محلي أصيل لا تقل أهمية عن أبعاده السياسية فيما تناول به بعض المواقف السياسية من نقد لمساعي هنري كيسنجر في أعقاب حرب أكتوبر. أو محادثات ونتائج كامب ديفيد، لنجده قد وفر له شخصاً واحداً، هو الخرجي، عدداً من التخصصات لأكثر من فنان واحد)). وقال الخرجي في تقديمه: ((... أستحي جداً ممن كتب عن (الخرجي) واعتبره مدرسة في الرسم وأستحي أكثر من الثناء الذي ألاقيه ممن عمتني نعمهم في متابعة ما ينشر لي..)). وقد ذكر في غلاف الكتاب ملخصاً لسيرته العلمية والعملية وقيل إنه من مواليد (عشيرة). وعند سؤال الأخ سليمان التركي أحد أبناء المملكة بالزبير وله علم بالأسر التي كانت بالبصرة والزبير قبل عودتهم للمملكة قال: (أعتقد أنه من مواليد البصرة ولكن والده أو السفارة سجلوه من مواليد قريته في نجد، وهذه تكررت للكثير ممن أبصر النور خارج وطنه لأسباب وجدانية وتسهيلاً لموضوع العودة للوطن.). (ويكيبيديا): توفي أول رسامي الكاريكاتير بالسعودية، علي بن سعد بن ناصر الخرجي في يوم الأربعاء الموافق 1/5/1432هـ رحمه الله.