في روايتي « أقدار مُشفرة » أبقيتُ النص مفتوحاً على التأويل والخيال والقارئ المتذوق لا يُثنيه حجم الرواية ..

الروائية منى الشرافي تيم: الرواية التاريخية تُحرج الفن الروائي وتُضيّق خيال المبدع .

تعود الناقدة والروائية الأردنية الدكتورة منى الشرافي تيم إلى المشهد الإبداعي بعد فترة غياب عبر روايتها الصادرة مؤخرا «أقدار مشفرة» حيث تصف لنا روايتها بأنها رسالة تبشيرية لاستعادة اليقين، و ليست دينية أو عقائدية، وتضيف لنا خلال حوارنا معها قائلة هي تنبثق من حبكة روائية تلامس العقل والوجدان. أما رسالتها المسموعة، فهي تتجلى في أبطالها النوابغ، الذين تمكنوا من تحقيق أعلى الدرجات العلميّة مما مكنهم من التأثير في العالم، وذلك عبر تجربة البروفيسور ناظم، التي استثمرتها دول الخليج العربي ، متمنيةَ أن تجد روايتها طريقها إلى القلوب، وربما تتحوّل إلى فيلم سينمائي، يُحيي شخصياتها، ويُجسّد رسائلها فالحبكة مشوّقة والمغامرات جريئة وصادمة، والجريمة كاملة وتفاصيلها قصة حب • ما الذي دفعك لاختيار عنوان ‘أقدار مشفّرة’، وكيف يرتبط هذا العنوان بالغلاف الذي اخترته؟ العنوان جزء من الرحلة الكتابية ، لذلك أحرص على اختيار العنوان قبل الشروع في الكتابة، فهو البذرة التي تنبثق منها الرواية، والعدسة التي أرى من خلالها ملامح النص. حين اخترت اسم الرواية شعرت وكأنني أستحضر مشهداً كونياً موازياً للحياة؛ لعبت فيه التكنولوجيا أدوارها عبر العقول البيولوجية الذكية. فطرحتُ السؤال الوجودي: إذا كان الإنسان قادراً على تشفير الآلة التي صنعها، فهل يملك شيفرة “اللحظة القدرية” القادرة على قلب الموازين؟ أما الغلاف، فقد حرصتُ على بقائه مفتوحاً للتأويل والخيال. فصاحب الحس الفني يراه بعاطفته. أما صاحب الحس العلمي فيراه من زاويته. وهنا يكمن سرّه! • تتنقل روايتك بين موضوعات التكنولوجيا والعاطفة والسياسة والعلاقات الاجتماعية، ما الذي يبرر هذا التنوع؟ تنقلت روايتي بين كل تلك المكونات، وغاصت في أعماقها، فخيوطها من نسيج واحد. في زمن أصبح للتكنولوجيا فيه سلطة معنوية خفية تتغلغل في مفاصل الحياة... فتُسيّر البشر بإرادتهم، وكأنهم منومين مغناطيسيّاً. ومن هذا الباب تتدخل السياسات المخطط لها مسبقاً، فتستثمر الآلة الذكية لخدمة مصالحها. أما العاطفة والعلاقات الاجتماعية، فقد طالتها يد التكنولوجيا إلى درجة التشويه؛ فحوّلتها إلى هوس وانفصام عن الواقع، حيث لم يعد المرء يرى نفسه في مرآته، إنما صدّق صورته الزائفة أمام الشاشة، وليس هناك أخطر من أن يصدّق الإنسان كذبته! وأنا هنا لا أنتقد التكنولوجيا، بل طريقة تلقيها. • في روايتك، تظهر شخصيات من جنسيات متعددة وأعمار متفاوتة، وقد تلاشت الفوارق بينهم. هل تعتقدين أن هذا العالم المثالي يمكن أن يتحقق في الواقع؟ تعمّدتُ أن تكون شخصيات روايتي من جنسيات ومعتقدات متعددة، وأعمار متفاوتة، فهذا التنوع هو الذي يميّز البشر. غير أن السياسات اعتمدت التفرقة بين الناس وشحنتهم بالعنصرية، لتُبقي الحاكم حاكماً، والمواطن تابعاً، حتى في الدول التي تدّعي الديمقراطية وتنادي بحقوق الإنسان. حرصتُ على إزالة الحدود المصطنعة. فالتفرقة صناعة بشرية، أما الوحدة ففطرية. ولهذا شمل التنوع في الرواية: الجنسيات والأزمنة والأمكنة. أما وصف عالم الرواية بالمثالي، فهو ليس كذلك، إنما صورة للتآلف! فالخالق دبّر حركة الذرّات والكواكب، ولم يخلّ بذلك التوازن سوى النفس البشرية. لذلك تجاوزتْ الرواية البشر إلى مخلوقات البحر وكائنات السماء في حركة تدويريه، وقدر مشفّر! • تتضمن روايتك تفاصيل دقيقة لأحداث تاريخية كبيرة. ما الرسالة التي ترغبين بإيصالها إلى القارئ المعاصر؟ التاريخ هو المكون لحاضرنا، والمؤسس لمستقبلنا، بإنجازاته وإخفاقاته وشرائعه وقوانينه. فتقرير مصائر الشعوب، نتاج لتراكمات تاريخية متجذّرة. والوراثة ليست في الجينات البيولوجية فحسب، بل جغرافية وتاريخية وعقدية. فلا يمكن إغفال التاريخ، لأنه يسكن الحاضر ويضع بصمته في الخطوات نحو المستقبل أما رسالتي فتكمن في ثنايا الرواية، وأترك للقارئ اليقظ مهمّة فكّ شيفرتها، ليكتشف بنفسه ما يُحاك له وما يُنتظر منه في هذا العالم المتحوّل. • تبدأ روايتك بخيال علمي ثم تنتقل إلى الماضي والمستقبل. كيف تعلقين على هذا الانتقال بين الأزمنة؟ سعيت إلى أن يظن القارئ أنه أمام رواية خيال علمي، فيكتشف أن الخيال فيها محطات متفاوتة لنص متجذّر في الواقع، ينطلق منه ويمتدّ عبر أزمنته. والتنقل بين الأزمنة صعب، تطلّب مجهوداً وتحدّياً. لكن بفضل الله والإلهام الذي رافقني طوال فترة التأليف، تمكنت من التقاط كل الخيوط بمنطقٍ قد يتراءى للقارئ بأنه أمام وقائع حقيقية، وشخصيات حيّة، لا مجرد نتاج مخيلة روائية. • روايتك تحمل طابعاً توثيقياً، فهل تتوقعين أن تُصنف ضمن الروايات التاريخية؟ وهل يؤثر ذلك على استمرارها مع القارئ؟ مرّت الرواية بمحطات تاريخية مؤثرة، لأنها كانت وسيلة في تتبّع تسلسلها الزمني، لتُضفي على السرد واقعية تُقرّبه من القارئ، وتفتح أمامه أفق المعرفة عبر الفن الروائي، الذي أراه اليوم متربعاً على عرش الفنون العالمية. ومع ذلك، حرصت على عدم انزلاق الرواية إلى خانة “التاريخ”، فعمدت إلى دمجه في نسيجها ليحافظ النص على طاقته الفنية. وحافظت على الموائمة بين البعد التوثيقي والفنية الروائية، عبر لغة تصويرية من خلال اعتماد عنصري التشويق والشغف. فأنا أؤمن أن الرواية التاريخية تُحرج الفن الروائي، وتُضيّق خيال المبدع. • في روايتك، يبدو أن الخلاص من مشاكل العالم مرهون بالكائنات الفضائية. ما الذي دفعك لاتخاذ هذا المنظور؟ قد يبدو دور الكائنات الفضائية للبعض محض خيال علمي جامح، لكنه يتجاوز حدود الخيال إلى أبعاد عميقة. أردت من خلاله توجيه رسالة إلى صنّاع التكنولوجيا والقوى العظمى في العالم فبعد أن استباحوا كوكب الأرض، انطلقوا إلى الفضاء، باحثين عن كواكب بديلة لهم... حين يصبح كوكب الأرض غير صالح للعيش. لقد سمح البشر عبر التاريخ للقوى المهيمنة بالاستيلاء على أوطانهم ومقدراتهم. لكنني تخيلت أن “أهل السماء” لن يسمحوا بهذه المأساة على كواكبهم. وهل يمكن لأحد الجزم بعدم وجود الكائنات الفضائية؟ • ألاحظ أنك ألمحت إلى رموز سياسية بارزة في روايتك. ما الذي دفعك لهذا الإيحاء؟ حين كتبت الرواية وجدت نفسي أمام طريقين، الأول: التصريح، فتتحوّل الرواية إلى ساحة انقسام؛ تُقبَل عند البعض وتُرفَض عند آخرين، تبعاً لخلفياتهم وتوجهاتهم. والثاني: التلميح، فيبقى النص مفتوحاً على التأويل والخيال، ليُقرأ من زوايا متعدّدة، فتُحاكَم الرواية وفق قيمتها الفنية وطاقتها الإبداعية. - روايتك قاربت الـ 500 صفحة. هل تعتقدين أن هذا الحجم يمكن أن يسبب الملل للقارئ المعاصر؟ القارئ المتذوق لا يُثنيه حجم الرواية، بل يتطلع إلى مضمونها وأحداثها وخيالها. فاختصار المشاهد أو تجاوز التفاصيل، قد يؤدّي إلى تشتت الأفكار، والإخلال بمنطقها الزمني. فالرواية التي تناقش قضايا متشعبة: تكنولوجية وفلسفية وتاريخية ونفسية وعاطفية وخيالية وروحية في آن - لا بدّ من أن تُعطى مساحتها كاملة.