
في المساء الموشّى بالأمل والعشب والضوء، يخرج من بين أجنحة المنتخب اسمٌ يلمع كأنه وُلد من جوهر الحلم السعودي: صالح أبو الشامات. يلعب كمن يكتب الشعر بقدميه، يُحاور الكرة كما يُحاور العاشق محبوبته، ويجعل من كل لمسة لحناً، ومن كل انطلاقة وعداً جديداً للوطن بأنّ الموهبة لا تموت، بل تعود أقوى حين تُروى بالانتماء. في أكاديمية النادي الأهلي بدأت الحكاية.. هناك حيث يُصاغ اللاعب كما تُصاغ القصيدة: بدقّة وصبر وإيمانٍ بالجوهر. ومن تلك البدايات الخضراء، خرج الفتى النحيل الذي يملك في قدميه لمعان الفجر ودهشة البدايات. انتقل إلى القادسية بحثاً عن التجربة، ثم إلى الخليج ليختبر صلابة الطريق، ويصنع مجده بصبرٍ يشبه الحكايات القديمة التي لا تنكسر. وهناك، أثبت أنه جناح لا يُمسك، وسرعةٌ لا تُقاس، وفكرٌ كرويّ نادر يجمع بين الخفة والجرأة. وفي أغسطس 2025، عادت الدائرة لتكتمل: عاد إلى بيته الأول، الأهلي، لا كعائدٍ إلى الماضي، بل كمن يعود ليبدأ من جديد في المكان الذي صاغ حلمه الأول. يلعب اليوم جناحاً، أيسر يفيض حيويةً وإبداعاً، و أيمنَ ينساب في الميدان بخفة النسيم، يراوغ بخيال الفنان، ويصنع الفرق حيث يتوقف الآخرون. إنه فتى الأكاديمية الذي لم يخذل الحلم، ولم ينسَ الطريق، بل عاد إليه ناضجاً، مشعاً، كأنه يُعيد كتابة نشيد الأهلي على نغمة الوطن الأخضر. صالح أبو الشامات: اسمٌ يُكتب اليوم في دفتر المستقبل، وملمحٌ من ملامح الجيل الذي يعلّمنا أن العودة إلى الأصل ليست رجوعاً، بل في أدائه الليلة، بدا كأنه يعزف على وتر السرعة والتوازن، يراوغ بخفّة الشعراء، يمرّ كنسمةٍ على وجوه المدافعين، ثم يترك خلفه أثراً من دهشةٍ خالصة. ليس مجرد لاعب، بل هو إشراقُ روحٍ تتنفس حبّ الوطن، وتعيد تعريف الفخر في كل لمسة، وكل تمريرة، وكل نظرةٍ إلى المدرجات التي تهتف باسمه. (*) كاتب وصحافي سعودي