الهيئة الفكرية والتجارة وما بينهما.!

حتى وقت غير بعيد كانت وزارة التجارة هي الجهة الوحيدة المعنية بحماية العلامات التجارية، إذ يكفي أن يحجز صاحب المنشأة اسمه في السجل التجاري ليحظى بحماية قانونية تمنع الآخرين من تقليده. لكن مع إنشاء الهيئة السعودية للملكية الفكرية تغير المشهد، فأصبح تسجيل العلامة التجارية من اختصاص الهيئة السعودية للملكية الفكرية، بينما تتولى وزارة التجارة الإشراف على الأسماء التجارية فقط، لتنشأ بذلك فجوة في الفهم لدى بعض التجار الذين يظنون أن تسجيل الاسم يكفي لحماية هويتهم التجارية. فالاسم التجاري بحسب نظام الأسماء التجارية الجديد يمثل الهوية الرسمية للمنشأة، ويثبت في السجل التجاري، ويستخدم في جميع العقود والفواتير والمخاطبات. هذا الاسم يضمن لصاحبه حق منع الغير من تسجيل اسم تجاري مطابق أو شديد التشابه ضمن النشاط نفسه، لكنه لا يمنحه بالضرورة حماية للشعار أو الرمز المستخدم في التسويق. أما العلامة التجارية فهي أي اسم أو شعار أو رمز يميز سلعة أو خدمة عن غيرها، ويخضع تسجيلها لنظام العلامات التجارية الذي تشرف عليه الهيئة السعودية للملكية الفكرية. وتمنح شهادة التسجيل حماية قانونية لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد ضد أي استخدام مشابه قد يضلل المستهلك. غير أن المشكلة تكمن في الفجوة النظامية بين نظام السجل التجاري الحديث ونظام العلامات التجارية القائم، إذ ألغى السجل التجاري تحديد النشاط، وسمح للتاجر بالعمل في كل الأنشطة دون تقييد، بينما ما زال نظام العلامات التجارية يشترط تحديد النشاط أو مجموعة الأنشطة المرتبطة بالعلامة. هذا التباين أدى إلى إرباك المشهد التجاري، إذ يمكن لشخص أن يسجل نفس العلامة باسم مختلف أو في نشاط آخر، مما يفتح الباب للتشابه والتضليل. من هنا، أقترح على الهيئة السعودية للملكية الفكرية دراسة تعديل اشتراط تحديد النشاط عند تسجيل العلامة التجارية، بحيث تمثل العلامة هوية المنشأة كاملة دون التقيد بالنشاط، لتتوافق أنظمة الهيئة مع التطورات الحديثة في نظام السجل التجاري، ولتحد من تضارب الأسماء والعلامات في السوق. كما أقترح - تعزيزاً للتكامل المؤسسي - أن يتم الربط الآلي المباشر بين الهيئة السعودية للملكية الفكرية ووزارة التجارة التي يمثلها حالياً المركز السعودي للأعمال الاقتصادية، بحيث ترتبط أي علامة تجارية تُمنح لمنشأة بالسجل التجاري تلقائياً دون أي جهد إضافي من التاجر. إن هذا الربط التقني لا يختصر الوقت والإجراءات فحسب، بل يعكس أيضاً مواكبة التطور الرقمي الشامل الذي تشهده الجهات الحكومية في المملكة بكفاءة واقتدار ومرونة عالية، ويُسهم في رفع جودة الخدمات وتكاملها ضمن رؤية متكاملة تحفظ هوية المنشآت وتوحد مرجعياتها القانونية. وهكذا تصبح حماية الهوية التجارية مسؤولية تكاملية بين الجهتين، لا مجرد إجراءين منفصلين. فالتاجر اليوم لا يحتاج إلى خطوات متكررة بقدر ما يحتاج إلى نظام موحد يعرف هويته ويصونها، ويمنحه الثقة بأن اسمه وعلامته وجهان لعملة واحدة في سوق يتسارع نموه وتشابك مصالحه.