احتفاءً بيوم الرواية العالمي ..

التجربة الروائية بين الرجل والمرأة في الدمام .

أقام سفراء جمعية الأدب المهنية في مدينة الدمام أمسية أدبية بمناسبة اليوم العالمي للرواية، الموافق الثاني عشر من أكتوبر 2025م، حملت عنوان «التجربة الروائية بين الرجل والمرأة». جاءت الأمسية في إطار عرض الرواية، على صعيد التجربة والنشر ، التطلع والتحديات وإبراز تنوّع التجارب في المشهد السردي السعودي، واستضافت الروائية بلقيس الملحم والروائي حسين الأمير، بتقديم وإدارة القاص ناصر الحسن، في لقاءٍ ثريٍّ جمع بين صوتين روائيين أحدهما يستقي من الوجع الإنساني، والآخر يستحضر التاريخ وذاكرة المكان. تحدّث الروائي حسين الأمير عن بداياته مع الرواية من خلال عمله (دَمَعتْ هجر)، التي تناولت ملامح من تاريخ الأحساء الاجتماعي والثقافي. وصف الأمير هذه التجربة بأنها كانت اختبار حقيقي لشغفه وعلاقته بالجذور والمكان، مؤكدًا أنه من أولئك الكتّاب الذين لا يكتفون بالخيال أو بالمصادر، بل يسافرون إلى الأمكنة التي يكتبون عنها ليعيشوها ويتنفسوا تفاصيلها، مردفاً كتابته بالبحث في العديد من المصادر التاريخية والأثرية . ثم عرّج على روايته الثانية التي اتخذت منحى فلسفيًا ووجوديًا، عاين فيها الأسئلة الكبرى التي تشغل الإنسان، متخذًا أسلوبًا سرديًا معاصرًا يغاير عمله الأول، والتي كانت تشغل فترة مهمة في زعزعة الأمن في العالم الاسلامي عامةً، رواية ( من أنا عندما هجموا)، التي كانت بين السعودية والعراق والتي سافر أثناءها إلى العراق ليستحضر المكان بتفاصيله في الكتابة. وفي حديثه عن روايته الجديدة (العبيد الجدد)، الصادرة مؤخرًا عن دار تشكيل في معرض الرياض الدولي للكتاب، أوضح أنها توثّق حادثة “سنة الطبعة” التي شهدتها شواطئ الخليج العربي، حين أغرقت أمواج البحر العاتية المراكب والبحّارة، لتتحول الكارثة الطبيعية إلى ذاكرة جمعية حافلة بالقصص الإنسانية العميقة. السرد بين الشعر والتاريخ توسّع النقاش بعد ذلك ليشمل أصول الرواية العربية وتلقّيها في الوجدان العربي، حيث أشار الأمير إلى أن القارئ العربي الذي نشأ على القصيدة استهجن في البدء هويّة الرواية ومايمكن أن تصدرهُ من أصوات الناس، الأصوات التي لا تُجمل الواقع ولا تُصدر المثالية، الأصوات التي تختلف عن تلك التي اعتاد سماعها في القصائد، إلا إنها قد فرضت نفسها من كُتابها وباتت مُحركاً اجتماعياً فاعلاً في شؤون الناس وأساليب حياتهم وقوانينهم في كثير من دول العالم. الرواية بوصفها سيرة إنسان في مستهل حديثها، أخذت الكاتبة بلقيس الملحم الحضور إلى فضاءات تجربتها الروائية التي تشكّلت من تماسٍّ عميقٍ مع الفقد الإنساني؛ فقد كان غياب شقيقها في العراق شرارة الكتابة عن هذه المنطقة تحديداً. تحدثت عن العراق بوصفه جرحًا مفتوحًا يسكن نصوصها، وقالت إنها كتبت عنه كثيرًا تأثراً بهذا الغياب، غير أنها تكتب عن الإنسان في كل مكان، لا عن جغرافيا محدودة فقط، بل أينما كان وجع الانسان تأثرت به الملحم وكتبت عنه ثم استشهدت بمقولة ماكسيم غوركي التي تقول: (إذا مات إنسان وماتت زهرة، فاكتب عن الإنسان واترك الزهرة). انطلقت الملحم من هذه الفلسفة لتؤكد أن الرواية مشروع إنساني حيث كشفت في حديثها عن منهجها في البحث والتقصي، وعن شغفها بقراءة التاريخ والجغرافيا الثقافية للمنطقة التي تكتب عنها، معتبرةً أن المعرفة العميقة والخيال الخصب تمنح النص الروائي بعده الحقيقي وقدرته على البقاء. وأضافت أن للكاتب أن يقرأ ويبحث في الكثير من المصادر مستندًا في مادته على نهم المعرفة وتغذيتها بالمعلومة الدقيقة التي بإمكانها أن تحلق بالرواية خارج حدوده وجغرافيته. حوار مفتوح وآفاق ممتدة اتسمت الأمسية بحيوية الحضور وثراء الأسئلة من المقدم القاص ناصر الحسن الذي أغنى الحوار في نقاط مهمة، منها دخول الكتابة الأدبية إلى عالم الرقمنة وتحديات وجودها، استسهال كتابة الرواية ونشرها، ثم طاف بالحوار ليحرك الافكار حول علاقة الكاتب بالواقع، وحدود الذات في السرد، وتقاطعات التجربة بين الرجل والمرأة في الكتابة الروائية، كما شاركت في هذا الاحتفاء الروائية الجزائرية عائشة بنور بتسجيل صوتي عبرت به عن أهمية الرواية وقالت: أننا في اليوم العالمي للرواية نتوقف أمام هذا الفن الإنساني البديع الذي استطاع أن يفتح أبواب العوالم المتخيلة، ويمنح أصواتًا لمن لا صوت لهم. الرواية ليست مجرد حكاية تُروى، بل هي ذاكرة الشعوب، ومرآة المجتمع، وجسر يصل بين الثقافات. إنها مساحة للتعبير عن الإنسان في قلقه وأسئلته وأحلامه وترحاله، وللاحتفاء بالتجارب الإنسانية المتنوعة عبر الزمان والمكان. كان الحديث عن كواليس الرواية حديث لا ينتهي، فهو حديث عن الإنسان وهمومه وأسئلته، عن ذلك القلق الجميل الذي يصنع الأدب ويبقي جذوته متقدة. في الختام تم تكريم الضيوف وشكر الأستاذ تركي المشرافي على تعاونه وحسن استقباله وإقامة الأمسيات الثقافية في صالون المشرافي الثقافي، ثم تم توقيع الاصدارات من قبل الكاتبين الضيفين والتقاط الصور التذكارية.