أمان الاعتياد.
في كلِّ مرَّةٍ يواجه فيها الإنسان الشدائد، يظن من هول الصدمة أنه لن يعتاد، وأن ما حلَّ به كارثة لن يتجاوزها، مُتناسيًا ما في طبيعته من قدرة على تقبّل الألم وتجاوزه ولو بقدرٍ معقول. حدث أن صادفت دراسة نفسية تشرح حالة يسميها علماء النفس: “نمو ما بعد الصدمة” (Post-Traumatic Growth)، يقصدون به التغيير النفسي الإيجابي نتيجة عيش تجربة صعبة أو صادمة، فيتكوَّن لدى الإنسان تحول نفسي يؤثر على طريقة تفكيره وفَهمه للعالم؛ فيُحس بمشاعر تقدير للحياة، وقوة في مواجهة الظروف الصعبة. ولكن هذه التجارب الحياتية المؤلمة لا تضمن حدوث نمو ما بعد الصدمة، لأن الاستجابة العاطفية للفرد تجاه الصدمة هي العامل الذي يُحدّد نتيجة التأثير المستمر لها، كما من الممكن أن تتأثر بعوامل حدثت أثناءها أو بعدها؛ فبعض العوامل السلبية قد تؤثر على صحة الفرد العقلية وتُصيبه باضطراب ما بعد الصدمة، أما إن استطاع الإنسان مواجهة الصدمة وتسويتها، فقد يُحدث الألم في داخله هزةً تُغير من معتقداته ونظرته للوجود. وهذه الدراسة العلمية قادتني إلى التمعّن في ركيزتين نُجابه بهما العقبات: ما جُبل عليه الإنسان من اعتياد، وما علمنا إياه الإسلام. للإسلام أثر بالغ في تجاوز المعاناة واستيعابها، وفي التمكن من التأقلم معها؛ درسنا صغارًا عن ابتلاءات الأنبياء والصالحين، ومرت بنا قصص الرسول محمد صلّ الله عليه وسلم وما فيها من تفاقم الكرب عليه، واجتماع قومه على الإضرار به، وما يكابده عليه السلام من آلام شتى، بدءًا من فراق زوجته المُحبة له وأول المُصدّقين لما جاء به خديجة رضي الله عنها، إلى وفاة عمه أبو طالب الظهير له من بين المشركين بعد الله عز وجل؛ فعندما تُروى لنا هذه المشاهد نستشعر هوان الدنيا وسرعة زوالها، فيكون هذا عزاءً لنا تحت وطأة الألم. فمتى فهم المرء حقيقة الدنيا واستمسك بعُرى الإسلام، وذكر قوله صلّ الله عليه وسلم: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”، وأنَّ هذه الدنيا دار بلاء، الصابر فيها يُجازى بالخير، والشاكر فيها يزداد فضلًا، والمتوكّل على الله أَلْفَى السكينة والطمأنينة؛ اطمأنت نفسه وسكنت جوارحه واعتلت روحه كل مضنٍ صعب. يقول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُو۟لَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَأُو۟لَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) وقد يحتاج الإنسان إلى المساعدة للتجاوز والمضي قدمًا، ولا حرج من ذلك، فكل خطوة للصحة النفسية والجسدية هي خطوة في إصلاح النفس وتقويمها، فما منحنا الله إليه من العلم اليوم منّة ومِزْيَةٍ لم تُعطَ لغيرنا.