حين يخرج القارئ عن النص.
حين يخرج القارئ عن النص، تتبدل الكلمة من وسيلة للإلهام إلى مجال للتجاوز. كثيرون يقرؤون الحرف بلا فهم، أو يفسرون المشاعر الشخصية في النصوص على أنها دعوة للولوج إلى حياة الكاتب. هنا، يصبح الاحترام والحدود هما مفتاح التواصل الرقمي الحقيقي، والكلمة تُستعاد لحقيقتها: أن تُقرأ، لا أن تُستغل. تكتب كلمة، أو تنشر نصًا أدبيًا، لتجد من يقرأ الحرف ويغفل عن معناه، فيخرج عن النص إلى ما لا يمتّ له بصلة. بعض متابعي منصات التواصل الاجتماعي لا يكتفون بالقراءة أو التعليق، بل يوسّعون دائرة التفاعل إلى مطالب شخصية أو توقعات لا مكان لها. هنا يصبح من الضروري أن نذكّر أنفسنا وغيرنا أنّ الكلمة وُجدت لتُقرأ وتُحترم، لا لتكون ذريعة لتجاوز حدود الاحترام. في فضاء منصات التواصل، نلتقي بمئات وربما آلاف الوجوه: وجوه تقترب إلينا بالكلمة والقراءة، ووجوه تمر ثم تختفي بلا أثر، وأخرى تتجاوز الحدود بلا وعي. ككاتبة، كثيرًا ما أدهش من أولئك الذين يخلطون بين النصوص وحياة الكاتب الشخصية، فيظنون أن كل جملة عاطفية اعتراف، وكل نص وجداني باب مفتوح للحديث الخاص. يتناسى البعض أن الأدب ليس سيرة ذاتية، بل فضاء رحب يحمل خيالًا وتجربة إنسانية عامة، قد تعكس شيئًا من الكاتب، لكنها ليست صورة كاملة عنه. المزعج ليس سوء الفهم وحده، بل محاولات البعض تحويل الافتراضي إلى مساحة شخصية تتجاوز الذوق. يرسل البعض رسائل تحمل اقتراحات للقاء أو حديث خاص، وكأن مجرد الحضور الرقمي يجيز لهم العبور إلى خصوصيات الآخر. وحين يضع الكاتب حدًا طبيعيًا وواضحًا، يتحول الإعجاب إلى عتب، أو يُفسّر الحزم على أنه غرور. هذا السلوك يقلل من قيمة التواصل الرقمي الحقيقي. المنصات الافتراضية يمكن أن تكون جسراً للمعرفة، لكنها ليست بديلاً عن العلاقات الواقعية المبنية على الثقة والتجربة المشتركة. أجمل ما يقدمه المتابع للكاتب هو تقدير صادق: احترام الخصوصية، تفاعل واعٍ، ووعي بأن النصوص وُجدت لتُلهم وتُقرأ، لا لتُستغل بوابة لعبور شخصي غير مرغوب فيه. في النهاية، الأدب مساحة إنسانية، لكنها ليست تصريحًا لتجاوز الحدود. الافتراضي يظل افتراضيًا، والواقع له قوانينه الأعمق والأصدق.