مؤخراً اقام مركز رجال الاعمال العراقي - برنامج ابداع - في عاصمة المملكة الاردنية الهاشمية -عمّان - معرضا شخصيا للفنانة التشكيلية العراقية تبارك منصور وهو اول معرض شخصي لها تحت عنوان ( من نسخة الى اخرى ) على قاعة مركز رجال الاعمال العراقيين. تبارك منصور و في تجربتها الاولى نجحت بوضع قدمها على الطريق الصعب للفن في محاولة منها لايجاد موقع لها في خارطة التشكيل العراقي و العربي بدلالة بيع كافة لوحات المعرض والبالغ عددها تسعاً وعشرين لوحة بالكامل وخلال ساعة ونصف من بداية الافتتاح في ظاهرة لم تشهدها قاعات العرض لاي فنان تشكيلي سابقاً. تشير كل اشتغالات تبارك منصور في هذا المعرض الى محاولة لاثبات وجودها كأسلوب يحاول التفرد في الساحة الفنية المزدحمة بشتى انواع التجريب سواء بالاسلوب او الفكرة او المواد المستخدمة ، ولكن ما تختلف فيه تبارك هو انها تمارس التجريب عن وعي وليس من فراغ او عبثية الهاوي او المتدرب لذلك فانها تعمد الى خلق عالمها الخاص الذي تمنحه خاصية منع المتلقي من التفاعل المباشر من النظرة الاولى بل تحيله الى ما وراء اللوحة لذلك فهي تشي بالفكرة اكثر مما تصرح بها .. انها تحاول اللقاء بالجمهور خلف اللوحة او ما بعد اكتمالها في محاولة لجعل المشاهد هو الجزء الذي يكمل اللوحة وكأنها تنتج عملا ناقصا بدون المتلقي الذي ترسم له . انّ اشتغال تبارك منصور على القناع كرمز في اكثر من عمل يخفي خلفه تاثراً كبيراً بنظرية كارل يونغ والتي تسمى Persona فحاولت دائما ان تغري المتلقي بالتلويح بجمال الفكرة او الاشارة الى ما تخفيه منها كجسد امرأة بملابس شفافة لذلك فقد جاءت اعمالها مثيرة بهدوء وهادئة بعنف لتخفي رغبتها العارمة في بعثرة العالم واعادة ترتيبه ولكن على طريقتها!! تبارك منصور تتعبها اقنعة المجتمع التي تُفرض عليها وتتعبها القوانين الصارمة التي يحصار بها المجتمع الانسان وخصوصا المرأة لذلك فهي تجد منفذا لها للتخلص من الخطوط الحادة والمستقيمة باللجوء الى المنحنيات والاقواس والعوالم السريالية عبر تأثرها بالفنان الاسباني سلفادور سالي.. ان تاثر تبارك منصور بعدة اسماء مهمة عالمية مثل سلفادور دالي وهنري مور وضياء العزاوي جعلها تملك عينا شرهة وروحا متوثبة لتكسير القواعد التقليدية لبداية الفنان ، لذلك فانها اختارت الالوان الحارة والتضادات اللونية في اغلبية اعمالها Contrast بدلا من الانسجام او التوافق اللوني Harmony وهذا طبيعي جدا بالنظر لعمرها الذي لم يتجاوز ال31عاما اي انها في فورة الاندفاع والرغبة بتكسير التقاليد واقلاق الهدوء النمطي للجمادات. ولذا فاذا ما دققنا النظر في اعمال تبارك منصور سنجد انها تميل دائما الى الاشكال المكورة او المنحنية النهايات فهي كما تقول في لقاء تلفزيوني معها انها متأثرة جدا باعمال هنري مور ونساءه المستلقيات مما يجعل الدائرة رمزا للكمال عندها بل انها تذهب اعمق من ذلك عندما تقول بان الدائرة لا تحتوي على زوايا ولهذا فهي لا تسبب الجروح او الالم . ان الوجوه التي تتكرر في لوحاتها تربك المشاهد فلا يكاد يميز الوجه من القناع في محاولة لاشراكه في لعبة لا تنتهي تشعل فيه الرغبة للوصول الى الفكرة التي غالبا هي مجموعة افكار متشابكة لا تلتقي الّا على قماش اللوحة. يمكن ملاحظة الجانب الثاني الذي لم تعرضه في معرضها ايضا وهو تصميم الاثاث وهي شغوفة باعمال المصمم العالمي المهندس حسين حربة الذي يعيش في تورينو الايطالية متذ عام 1979 ويمثل واحدا من اهم رموز الموضة و التصميم في العالم . ففي مزاوجتها للشكل المكعب في احد اعمالها مع الدائرة التي شكلت الرأس فانها كانت ذكية جدا برسم العينين بطريقة هندسية وكأنها تصمم ذاكرة بصرية برأس مسالم له عينان ممتلئتان بفضاء مخيف يشير الى معضلة المثقف الذي يرى كل شيء ولكنه لا يملك القوة على الصراخ . اعتقد ان على تبارك منصور بعد نجاح معرضها الاول ان تسابق الزمن لتقديم مشروعها الثاني وما بعده لان جدران القاعات لا تغفو الّا على الاعمال التي تطرح الاسئلة الصعبة مع ادراكها جيدا بانّ وضع الاجوبة لها ليس من اختصاص الفنان.