لعنة الوعي ونعيم الجهل!

عبارة كثيرًا ما تداولها الناس في الآونة الأخيرة حيث يقارنون بين مستوى أفكارهم الحالية ومشاعرهم وما كانت عليه قبل أن يصلوا إلى مايعتقدون أنه «وعي» وبالرغم من أن وصفهم لحالتهم بـ«لعنة الوعي» وصف دقيق لما يمرّون به، إلا أنه لا يمتّ للوعي الحقيقي بصلة. ما يعيشونه، في رأيي، ليس وعيًا، وما يعايشونه لا علاقة له بالوعي على الإطلاق، بل هو صورة مشوشة منه؛ لعلّ اسمها الأدق « الوعي الزائف »…. الوعي الحقيقي لا يُربك النفس، بل يُنير زواياها المظلمة ويزيدها ثقةً … ولا يقيد العقل، بل يطلق عنانه ويكسر ما يكبله. فالإنسان بغضّ النظر عن مستواه التعليمي أو خلفيته الثقافية أو جنسه أو لونه أو مكانته الاجتماعية والمادية، إذا امتلك وعياً حقيقيًّا، فإنه بالضرورة يُنزل الأشياء والأشخاص منازلهم، ويضع كل شيء في موضعه، ويقبل ذاته كما هي، دون تذمر من مجتمعه أو سخط من الآخرين، فحالته الشعورية الناتجة عن وعيه توصله إلى هذه المرحلة دون عناء أوتكلف . كثيراً ما تساءلت كيف يصف البعض أنفسهم بالواعين، ثم ينعَتون الوعي بأنه ليس سوى لعنة! يا أصدقائي: في ظني أنكم لا تعانون من الوعي، بل مما هو أبعد عنه، ما تواجهونه ليس الوعي، بل ارتباك ما قبل الوعي، أو ربما مقاومة داخليّة خوفاً من التغيير الذي يحمل لكم المجهول «المرعب » وهدا سبب كاف للإرتباك والتوهان . أنتم تبحثون عن «حبّة سحرية» تغيّركم نحو الأفضل، دون مواجهة صادقة مع أنفسكم، ودون الاعتراف بأخطائكم، ودون قبول ذواتكم بصدق. وما جرى لكم في الواقع هو أن أول مواجهة صادقة مع الذات كانت صادمة، أربكتكم بدل أن تضيء لكم الطريق، وعندما فتحتم أول الملفات في دواخلكم، لم تفهموه، لم تتقبلوه، ولم تقووا على إغلاقه . ونمو الخوف من الشعور الموجع، وانعدام الشجاعة لمواجهته، دفعكم إلى الهروب نحو الداخل، وإلقاء اللوم على الوعي، ووصْفه باللعنة. ولعل مما يفاقم هذا التشتّت ويزيده هو وجود من يروّجون لمفاهيم «الوعي» بشكل سطحي ومشوَّه، أولئك الذين يضللون الباحث عن الحقيقة ويقودونه إلى ضياع أكبر بدلا من أن يرشِدوه، خاصة إذا لجأ إليهم من يظن أنهم يملكون العصا السحرية التي ستنقله من قاع الألم إلى قمة السلام، دون أن يمرّ بطريق التغيير الوعر ، وهنا، تتضاعف الفجوة . فبدلاً من أن تتقدموا خطوة نحو الحقيقة، تعودون خطوات إلى الوراء، لأنكم آمنتم بأن التغيير يمكن أن يحدث من خارجكم، بينما هو — دائمًا — يبدأ من ذواتكم. وأوّلُ خطواتِ الوعي، في رأيي الشخصي، أن تُدرك أن كلَّ شيءٍ على ما يُرام، ( مهما بدت لك الصورة الخارجية ) وأنه لم يفُتْك شيء.، لا يزال هناك متَّسَعٌ لكلِّ ما ترغب به، لا تخَفْ، فالمُدبِّر هو الله. لا تقلق، واهدأ، وخفِّف من روعك ، وسترى كلَّ شيءٍ كما ينبغي أن تراه.