«سأجعل منكم شعباً عظيماً»..

الوعد الذي أصبح منهجاً.

لم تكن كلمات الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- مجرد شعار يُرفع أو أمنية تُمنى، بل كانت بمثابة “عقد اجتماعي” جديد، غيَّر مفهوم المواطنة، و أسس لرابطة متينة بين القائد و أبناء أرضه. لقد حوَّل الملك عبد العزيز الوعد إلى مشروع تحوّلي، جعل من الإنسان ركيزة البناء الأولى، و كسر بذلك النمط التقليدي لقيام الدول. الرؤية التي سبقت الزمن: حين يكون الإنسان هو الاستثمار في عالم كانت تسوده ثقافة القوة المادية، أدرك المؤسس أن الثروة الحقيقية تكمن في العقول و القلوب قبل النفط و الذهب ، كان مشروعه فريداً من نوعه: لم يبْنِ دولة على أنقاض أخرى، بل بنى “شعباً” من كيانات متفرقة. لقد حوّل التحديات إلى وقود للإنجاز، و الهويات المتعددة إلى نسيج وطني واحد متين. لم تكن العظمة في نظر المؤسس مجرد قوة عسكرية أو اقتصادية، بل كانت “عقلاً جماعياً” و “إرادة موحدة” قادرة على صنع المعجزات. من هنا، جاءت خطواته متسلسلة: بناء الإنسان، توحيد الكلمة، ثم تشييد الدولة. من “هويتي قبيلتي” إلى “هويتي وطني” في الحقبة التي سبقت التأسيس، كانت الهوية محصورة في الدائرة الضيقة للقبيلة أو المنطقة ، فجاءت كلمة الملك عبد العزيز لتخلق “مفهوماً جديداً” للمواطنة، قائماً على الانتماء إلى أرض واحدة و تاريخ مشترك. لقد حوّل “المواطن” من مجرد فرد في جماعة صغيرة إلى شريك في مشروع وطني كبير. كانت هذه الرؤية ثورة حقيقية في ذلك الوقت، حيث أصبح الانتماء للوطن هو الهوية العليا التي تعلو على جميع الانتماءات ، فلم يكن الهدف طمس التنوع، بل صهره في بوتقة الوطن لخلق قوة جديدة هي “الشعب السعودي”. الأمن كمنصة انطلاق: حين يصبح الاستقرار أرضية للإبداع لم يكن الأمر مجرد تأمين طرق أو القضاء على النزاعات، بل كان الأمن هو “المساحة الآمنة” التي تتيح للإنسان أن يحلم، و يبدع و يبني. بتحقيق الأمن، حوّل الملك عبدالعزيز طاقة الناس من الصراع من أجل البقاء إلى التعاون من أجل الازدهار. أصبحت البلاد سوقاً مفتوحاً للفكر و التجارة، و بدأت ملامح المجتمع المدني في الظهور .. الأمن لم يكن غاية في حد ذاته، بل كان الوسيلة التي مكنت الشعب من اكتشاف قدراته و طاقاته الكامنة. صناعة العظمة: كيف تتحول الكلمات إلى واقع ملموس؟ لم تكن العظمة نظرية تطرح، بل كانت “خطة عمل” تنفيذية تجسدت في: * بناء المؤسسات: تحويل الدولة من حكم فردي إلى نظام مؤسسي يضمن الاستمرارية. * استثمار العقول: فتح أبواب التعليم لنقل المجتمع من الأمية إلى المعرفة. * توحيد المرجعية: جعل الإسلام هو الإطار الحاضن للهوية الوطنية، مما وفر ساحة للتقاء الجميع. الوعد المستمر: من كلمة المؤسس إلى رؤية 2030 اليوم، نحن لا نعيش على إرث الماضي فقط، بل نرى تجدد الوعد في مشاريع التحول الكبرى. “رؤية 2030” بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، هي النسخة المعاصرة من كلمة المؤسس. إن استثمار المملكة اليوم في قدرات شبابها و طاقات نسائها، و بناء المدن الذكية، و تنويع الاقتصاد، هو امتداد لنفس الفلسفة: “صناعة العظمة من خلال الإنسان.” إنها ترجمة جديدة لنفس الوعد، لكن بأدوات العصر وبلغة المستقبل. كان وعد الملك عبدالعزيز أكثر من مجرد كلمات، كان “ميثاقاً” و “منهجاً” استطاع أن يحوّل مجموعة من البشر إلى أمة، و أن يحوّل التحديات إلى فرص .. لقد أثبت التاريخ أن العظمة لا تُورث، بل تُصنع بإرادة قائد و رؤية شعب، و ما كان ذلك الوعد ليتحقق لولا تلك الإرادة و ذلك التلاحم.