شمس الموتى!
ربما كنت تنظر إلينا من كوة الغيب لترى ما نصنع، ولتطمئن أننا لم نتغير كثيرا بعد رحيلك. ثق يا صديقي أن الحياة بعدك شحبت وكادت أن تتوقف على ما تركتها عليه؛ فالرفاق افترقت بهم الطرق ولم تعد تجمعهم سوى المناسبات على عَجَل، والملعب الترابي الذي كنت تحبه ويحبك أفل زمنه مذ كنت فينا، وشباب الحي ابتكروا طريقة في لم شعثهم الرياضي في أكاديمية فيها شيء منك ومن عبقك، لكن الروح ليست هي الروح؛ حتى أزقة مكة القديمة لم تعد حاضرة بذات الروح التي كانت بها قبل رحيلك. أما أنا فقد اكتفيت بعدك بمستراح قريب من المنزل لا يوغل بي بعيدا في الذاكرة، فلم أعد ذلك الذي عهدته في حرصه القديم على أن يلتقي هذا هنا وذاك هناك. وكل الشباب الذين تركتهم، يعيشون على هذا النحو؛ ويتجولون في العوالم الرقمية التي هي الأخرى برزخ بين عالمين، عرفنا فيها أصدقاء رقميين لا تربط بيننا وبينهم سوى الكتابة وحفنة من اللايكات التي أظن لو أنك اطلعت عليها لكانت محل تندّرك وسخريتك اللاذعة بحكم ما أعرفه عنك من تلقّ لهذه العوالم الجديدة. لقد غاب عالمنا الذي كان يضج بالحياة مع غيابك، وصارت وحدتنا هي المهيمنة على شارع الحي الرتيب، الشارع الذي لا تشرق عليه سوى شمس الموتى الطاعنين في الغياب. لو رأيت حيّنا اليوم لظننت أنه رحل معك ومع من رحلوا مثلك إلى حيث ترقدون في مهاجعكم، فقد صار حينا الذي كان أكثر الأحياء بهجة وحيوية مجرد شارع للعبور السريع بين البيت والمسجد!