ترامب وروسيا..

سياسة العصا قبل الصفقة.

في تطور لافت، أعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تسليط الضوء على موقف نظيره الأميركي دونالد ترامب من الحرب الدائرة في بلاده، كاشفاً عن فحوى نقاش دار بينه وبين ترامب، حمل  إشارات إلى انفتاحه على تزويد كييف بما وصفه زيلينسكي بـ»السلاح الذي يدفع بوتين إلى طاولة التفاوض». لكن المفارقة أن هذا «السلاح» لم يكن مجرد مصطلح سياسي عام، بل حمل – وفق مصادر أوكرانية – إشارة إلى صواريخ توماهوك، تلك التي لم يحصل عليها الأوكرانيون حتى الآن، رغم مطالبتهم المتكررة بها. فهل نحن أمام تبدّل جوهري في موقف ترامب؟ أم أن الأمر لا يتجاوز كونه مناورة سياسية، في ظل ضغوط داخلية ومحاولة إعادة التموضع أمام ملفات السياسة الخارجية؟ من المعروف أن ترامب، خلال حملته الانتخابية، لم يكن متحمساً لفكرة الانخراط العميق في الحرب الأوكرانية أو دفع المواجهة مع موسكو إلى حافة الهاوية، بل غالباً ما كان يرى أن الصراع يمكن حسمه بصفقة أو باتفاق يعكس منطقه التفاوضي الذي يتقاطع أحياناً مع مقاربات رجال الأعمال أكثر مما يعكس رؤية مؤسسات الأمن القومي الأميركي. لكن اللافت أن تصريحاته الأخيرة بدت مختلفة في نبرتها، إن لم يكن في مضمونها الكامل. فهو تحدث للمرة الأولى عن أحقية أوكرانيا بالرد على البنية التحتية الروسية في حال استهدفت موسكو المنشآت الحيوية الأوكرانية. بل ذهب أبعد من ذلك، حين أبدى تأييده إسقاط مقاتلات روسية تخترق أجواء حلف الناتو، وهو موقف يبتعد عن لهجته السابقة التي كانت أقرب إلى التهدئة والتفاهم مع الكرملين. غير أن السؤال الجوهري يظل مطروحاً: هل يعكس هذا التحول تحوّلاً استراتيجياً فعلياً في نظرة ترامب إلى الحرب، أم أن ما نشهده لا يعدو كونه تعديلًا تكتيكياً في المواقف، يهدف إلى تعزيز أوراق الضغط، سواء في وجه روسيا أو حتى في تمايزه عن إدارة بايدن أمام الداخل الأميركي؟ المتابع لتصريحات ترامب يدرك أنه لا يزال يحتفظ بنظرته التي ترى أن الصراع في أوكرانيا يمكن إنهاؤه خلال 24 ساعة، بحسب تعبيره المتكرر، وهي عبارة تعكس نزعة ترامب لفكرة الصفقات السريعة لا لحروب الاستنزاف طويلة الأمد. ومن هذه الزاوية، فإن التلويح بصواريخ متقدمة أو بخيارات هجومية ضد روسيا قد يكون جزءاً من لعبة ضغط هدفها تهيئة أجواء ما يعتقد ترامب أنه صفقة كبرى تنهي الحرب، لا العكس. في المقابل، من المهم ألا نغفل الحسابات الداخلية في الولايات المتحدة، حيث تزداد الأصوات في الحزب الجمهوري الرافضة للاستمرار في تمويل الحرب، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والتباينات السياسية العميقة. وقد يكون موقف ترامب الأخير محاولة لطمأنة التيار المؤيد لأوكرانيا داخل الحزب، من دون الذهاب بعيداً في الالتزام بآليات دعم مفتوح أو بلا سقف. أما في أوروبا، فإن الموقف لا يقل تعقيداً. فالدول الأوروبية تراقب عن كثب كل تغيير في نبرة ترامب، لا سيما وأن تجربتها معه خلال ولايته السابقة تركت الكثير من التساؤلات حول مستقبل التزامات واشنطن تجاه الحلف الأطلسي. ومن هنا، فإن أي حديث عن توماهوك أو الرد بالمثل لا يُقرأ فقط في كييف أو موسكو، بل يُتابع بدقة في العواصم الأوروبية القلقة من مستقبل التحالفات الغربية برمتها. وبالمجمل، ترامب لم يخرج بعد من إطاره المعروف في مقاربة الأزمات الدولية، لكنه في ذات الوقت يُعيد ترتيب أوراقه، بما يخدم خطابه للداخل الأميركي من جهة، ويمنحه هامشاً للمناورة. وربما لا تكون صواريخ توماهوك هي الهدف النهائي، بقدر ما تكون وسيلة جديدة في معادلة الضغط، في انتظار لحظة تفاوض تتيح له لعب دور صانع السلام، كما يحلو له أن يقدّم نفسه، في ملفات الحرب والسلام. ويبقى القول، بين العصا الدبلوماسية وصفقة السلام، يظل ترامب وفياً لأسلوبه القائم على المفاجأة لا التوقع. * باحث ومستشار سياسي