دَيْنٌ لا يُقضَى.. في محبة أحمد الملا.
عرفتُ أحمد الملا قبل أكثر من أربعين عاماً، وكنتُ وقتذاك أتابع ما ينشره؛ كتابته وشغفه.. وشغبه في جريدة الجزيرة حيث “مساحة للركض” هناك ملاذ اللاهثين. ومنذ اللقاء الأول معه (بمعيّة الصديق إبراهيم الحسين؛ رفيق الدراسة والمهنة والحرف)، صنعْنا حلقتنا الصغيرة أوّلاً في الأحساء وتالياً في حي الدوحة بمدينة الظهران. نلتقي نقرأ نصوصنا؛ تشجيعاً واستطابةً مرّة، ومرّاتٍ تصويباً ومراجعة مع كثير من القسوة. نلتقي والكتاب يدورُ بيننا دورته الثلاثية (السفر، الحسين، الملا). الكتاب! نعمة الكتاب! نعمة الكتب.. وكلّها من مكتبةِ أحمد مكانِ لقائنا الدائم. لم يحجب عنّا كتاباً ولم يستبقِهِ لنفسه. جميع كتبه إنْ من معرض كتاب الشارقة أو تلك التي يأتي محمّلاً بها مِن أسفاره العديدة؛ جميع تلك الكتب مبذولة أمامنا بسخاء، ونحن في أشدّ العطش إليها. فلتنذكّرْ كم كان الكتاب النوعي الفارق “الحداثي” عزيزاً تخاصمه مكتباتنا، والرقيبُ الجمركي والإعلامي له بالمرصاد. انتهلْنا من تلك الكتب.. ومعها العديد من المجلات التي كانت تمرّ بنا أغلفتها ومحتوياتها مَرّاً في مجلة “اليوم السابع”، ها هي أمامنا (بعضها ما يزال في حوزتي على سبيل ما أسميتُهُ يوماً بـ: الاستعارة الدائمة). من خلال مكتبة أحمد تفتّحَت الذائقة وتوسّعَت المدارك على النص الحديث الجديد وعلى المعرفة التي تَفِدُ من أفقٍ آخر(شعراً وسرداً وفكراً). أرساءُ الحجر الأول في تحوّلنا الثقافي (إبراهيم الحسين وكاتب هذه السطور) نَدينُ به إلى “كتابِ أحمد” إلى مكتبته. ومع الكتاب، أشرقَتْ علينا شمسٌ وافرة: من الأشرطة الموسيقية ( مارسيل خليفة، خالد الهبر، جورج قرمز، فرقة الطريق.. كوكب حمزة، ناس الغيوان، الشيخ إمام حمزة علاء الدين، بيتر غابرييل، …) ومن الأفلام بتوقيع أشهر مخرجي سينما الطليعة العالمية (إنغمار بيرغمان، يلماز غونيه، أكيرا كوروساوا، كريستوف كيسلوفسكي، أمير كوستوريكا، ناصر خمير، …). فضلاً عن بوسترات الفنانين التشكيليين من العرب والعالميين (وضمن استعاراتي الدائمة منها: بوسترات لـ ضياء العزّاوي ويوسف عبدلكي). أحمد الملا، دائماً وأبداً، في سخائه اللامحدود؛ ثقافياً وإنسانياً.. وموقفاً اختبارياً لمعدنٍ أصيل كما يلمع في وضح النهارات هو كذلك في أحلك الليالي. وهذه صفحة شاسعة من “كتاب أحمد” لا يُحاطُ بها، وأقدّر أنّ أحمد يريد لها أن تكون في المجهول بالنسبة إليه… وتلك هي خصال أحمد الباهرة، تؤكّد عليها الأيّامُ والليالي، جميعها تصدِّق على أن الصديق عنده أوّلاً وأخيراً.