قلبه على رسومات قميصه.
أتخيّلني أكتب رسالة محبة إلى أحمد الملا، مستغلا هذي الزاوية والمناسبة والبُعد، لأقول: هكذا هو أحمد الملا، كل مشاعره مضمومة ومنثورة على قميصه؛ مشاعره واضحة فاضحة ترونها مرسومة على القميص المشجّر، وقد اعتاد شاعرنا على اللبس من تصاميم زوجته الفنانة ريم البيات لقمصانه، جميعها لوحات فنية وتخطيطات أو تعمُّد رسمها بهذا الشكل كمسوّدات لم تكتمل. لا يعد هذا كشفا لسر، لأنه معروف، بل إن فضحه - إن كان سرّاً- فيه متعة وابتسامة مائلة ووجه ضاحك كأيقونات الواتساب المتداولة (emoji). الفضيحة الأجمل تأتي منه شخصياً - إن جاز أن نسميها فضيحة- فقلبه الزجاجي الشفّاف المحاط بهالات تغلّفه ببلور صافٍ، يشف ولا يخفي، حتى تكاد ترى دفق المشاعر الكبيرة منها والصغيرة، وفي كل المواقف الحياتية. من يأمن سلامة قلبه لا يتجمّل، ومن لا يملك وقتا للتمثيل يأتيك عفوياً. لأحمد قرارات جنونية، مبدعة، يتخذها ببساطة ودون عناء جهد وتفكير، لذا يعترف بها لكنه لا يندم، ويسميها “ أخطائي الجميلة”، وفعلاً، لابد منها إن أردت أن تحيا حياة مختلفة على مقاس قلبك أو كنت عاشقا للتيه في شعب الحياة ودروبها. أحياناً، أخشى على أحمد/ الشاعر من أضواء السينما ومن الجهد العنيف والانغماس بالعمل السينمائي والاستغراق فيه، فهو يقود ورشة عمل دائمة، وبتفانٍ لدرجة الامّحاء والذوبان في الآخر وإنكار الأنا، صحيح إنه يملك يداً ذهبية في كل عمل يؤديه، تقوده للنجاح والتميّز، ويترك بصمته على روح العمل؛ أي عمل فني، لكنه يستنزف طاقته وروحه، ويختصرهما، فهذا العاشق لا يحسن أداء أي عمل إلا إن كان بحالة عشق وجنون لهذا العمل. أما شعرية الملا فشيء آخر. يغيب في شؤون أخرى، يطول أو يقصر الغياب، ويأتينا - نحن أصدقاءه- بنص فاتن، أو مجموعة شعرية لامعة متألقة في حداثتها، وكأنه لم يغادر قاعة الشعر ولا عوالمه وفتنته، أو كأنه ينفض الغبار العالق به وبلغته وأفكاره من انشغالاته الأخرى. حكاّء بالمعنى العميق، حكّاء بالصورة التي كانت مادته “ ولعبته”، حتى قبل دخوله أكثر في فنيّات السينما، واقتباساته اللاإرادية من شاشاتها وأدواتها. كل نصوص أحمد الملا هي مقاطع من سيرة ذاتية وحياتية- أكاد أجزم بذلك- ، لا يكتب الوهم والتخيلات المنفلتة، إلا فيما ندر، وفي ذلك جرأة وصدق، جرأة “ طينته”، وصدقه الفائض عن الحدود والورق. *الكويت