تنورة «ماجو هالمي» في الأدب الكوري..

التأثير الخلاق للميثولوجيا في حركة الأدب المعاصر .

منذ بدأت الكتابة اللغوية اتصالها مع الأصل المخلوق اتجه السرد تحت مادة (أمومية) اللغة للشعور والمشهد السردي، كل ذاكرة موروثة للأوطان تتجه للأصل المؤثر الذي يشكل ويعمل على انتاج انواع خلاقة من التأثير والخلق الجديد الممتد من أصل الموقع الكوني الأول الذي يعبر الفراغ الى ايجاد المشهد المادي , وعاطفة الميثولوجيا الكورية بشكل عام تعمل كنوتات حيه داخل النسيج الإجتماعي بشكل ايماني عظيم ومبجل حين يتصل مع الخالق , وهذا لا يعني “الالهات” اكثر من كونه احترام للخلق ذاته نحو الموجودات . الباحث كيم هونغ غيو في دراسته عن البنية الطبوغرافية في الأدب الكوري يشير إلى أن النصوص التي تشتغل على الذاكرة المكانية تعيد فكرة القماش كأصل للتاريخ, كل مشهد سردي هو طبقة جديدة من النسيج الذي يغطي الجسد الأول للأرض , هذا الفهم جعل الكتابة امتداداً للمادة وجعل المادة تمتلك قدرة سردية خاصة بها , تنورة ماجو هالمي تشكل في الميثولوجيا الكورية النواة الأولى لفهم الخلق من الجسد , فقد كانت الأسطورة تصف الأرض كامتداد مادي لحركة امرأة عملاقة تسير في الفضاء الأول فتتساقط من أطراف تنورتها كتل من الطين والحجارة، وتتحول هذه الكتل إلى الجبال والأنهار , والصورة تُبنى على وحدة المادة والحركة وتجعل الفعل الجسدي أصلاً للطبوغرافيا, فالقماش الذي يلتف حول الجسد يخلق شكل العالم وكل خطوة تتحول إلى تضاريس جديدة , هذا النموذج خلق في الوعي الكوري تصوراً عن المادة كمصدر للحياة وعن الحركة كآلية للخلق , الفكر الكوري القديم تعامل مع هذه الصورة باعتبارها تفسيراً مادياً للوجود , التنورة تحمل تجسيداً للأنوثة داخل المادة التي تحمل شكل العالم ومنها الجسد يتحول إلى أداة إنتاج , و القماش إلى سجل زمكاني , و كل طية في النسيج تختزن أثر الحركة والطبقات في الأرض تحتفظ بذاكرة الخطوة الأولى , هذا الوعي المبكر بالمادة كوحدة عضوية أنتج في الثقافة الكورية علاقة دقيقة بين الجسد والمكان ,لأن المكان يُفهم كامتداد للجسد، والجسد يُقرأ كخريطة للمكان , هذه البنية الفكرية استمرت في الفن والكتابة وشكلت أساسا للخيال الأدبي الذي يرى في القماش حقلاً لمعرفة والذاكرة. الأدب الكوري الحديث استعاد هذا البناء الميثولوجي عبر اللغة وتحولت حركة القماش القديمة إلى حركة سردية وتتابع الطيات أصبح تتابعاً في الجمل والمقاطع , وكثيراً ما نلاحظ النص عند كتاب كوريين معاصرين يقوم على مبدأ النسج، حيث تتكون المعاني من تداخل الجمل أكثر من ترتيبها الزمني , ففي رواية (الكتاب الأبيض ) لهان كانغ التي حازت على جائزة نوبل تتجسد هذه الفكرة في البنية اللغوية نفسها , الكاتبة تبني النص من مقاطع قصيرة متتابعة تشبه تتابع الخيوط في قطعة قماش , ومفهوم البناء داخل الفكرة للون الأبيض في النص على انه في الشكل العام للقارئ يبدو مجرد فراغ ابيض لكنه في الحقيقة هو إمتداد المادة القماشية المستترة للنص السردي التي تحفظ أثر الزمن للمكان ، ومن قرأ الرواية كانت الكتابة تتقدم مثل حركة التنورة التي تصنع العالم من داخل الجسد رغم أن الرواية في ظاهرها لم تتعمد استخدام الميثولوجيا كموضوع لتعيد إنتاج بنيتها الفكرية في نظام اللغة لكن التأثير الإجتماعي العاطفي تجاه محرك الكون يعمل على مبدأ نهج خلق تنورة ماجو هالمي . الشعر الكوري الحديث احتفظ بالرمز نفسه أيضاً , الشاعرة كيم هاي سون جعلت من القماش مساحة لوعي أنثوي يستعيد تاريخه من الحركة البسيطة , القصيدة عندها تبنى على فكرة الاهتزاز الحر الدائم المماثل لحركة التنورة الواسعة , كل سطر يتحرك مثل طية نسيج وصوت ، وكل مفردة تترك أثرها في الشكل الشعري كما تترك حركة التنورة أثرها في الأرض والهواء , هذا النوع من الكتابة يعبر عن المرأة كموضوع أكبر و يعيد إنتاج الجسد كأداة تفكير , القماش في القصيدة لا يعني انها شكل يغطي الأنثى لكنه يعمل على انه تدوين للمكان وامتزاجه داخل الإنسان مثل سجل للذاكرة. في النقد الأدبي الكوري المعاصر ظهر اتجاه يربط بين فكرة النسج وفكرة الكتابة , فالنقاد في جامعة سول تناولوا مفهوم القماش كهيكل لغوي وأعادوا قراءته في سياق نظريات السرد ,النص الأدبي عندهم يُبنى على نظريات مثل النسيج حيث يتفاعل السطح والعمق ضمن حركة واحدة , هذه الرؤية مستمدة من التصور الميثولوجي لماجو هالمي، لأن القماش في الأسطورة كان ساحة لتفاعل الأرض والسماء وهو في الأدب ساحة لتفاعل اللغة ونتيجتها المخلوقة , هذا الامتداد جعل الموروث الأسطوري جزء من النظرية الأدبية الحديثة , في الفنون البصرية والأداء الكوري الحديث ظهر أثر ماجو في الطريقة التي يتعامل بها الفنانون مع القماش كوسيط معرفي , أعمال الفنانة لي بولغن في سلسلة (أرض قيد التكوين ) تقدم القماش كخريطة تتحرك أثناء العرض والضوء يتبدل مع حركة القطعة ,هذا البناء البصري مستمد من فكرة التنورة التي تخلق الجغرافيا بالحركة , وامتد هذا التشكيل في الرؤية البصرية السينمائية بين التاريخية الفن المعاصر الذي يكرر الأسطورة واستخدمها كمنهج إدراكي يرى في المادة وعياً اسطورياً عاطفي الشكل في ذاكرته المحلية . ولا يخلو الأثر الاجتماعي لهذا الرمز حتى في الحركات الثورية فهو واضح في تطور صورة الجسد في الأدب الكوري النسوي , الكاتبة كيم إيون سو تعيد طرح علاقة المرأة بالكتابة من داخل المفهوم الميثولوجي نفسه النص عندها يتحرك من داخل الجسد نفسه ويطمس شكله الخارجي، والجملة تتحول إلى خيط ضمن نسيج لغوي ممتد من فكرة التنورة القديمة في طريقة الأصل وليس الموضوع، لأن اللغة تُدار كقماش يلتف وينكشف ويتبدل باستمرار و هذا النوع من الكتابة يخالف النقد الموجه الذي يعتمد على الصراع بين الذكر والأنثى، ففي أساسه يعمل على إعادة توزيع الوعي داخل الجسد نفسه متخلياً على الجندر. النقد الجمالي الحديث في كوريا يرى أن الأسطورة وضعت نموذجاً للكتابة قبل أن توجد الكتابة القماش الذي صنع الأرض وهو النموذج الأول للنص , وكل أثر لاحق في الأدب يعيد إنتاج تلك الحركة البدائية لأن النص الكوري الحديث يتكون من وحدات لغوية قصيرة تتكرر وتتماوج مثل خيوط في نسيج وهذا الإيقاع يعكس الحركة الأولى لتنورة ماجو , فكرة التنورة كوحدة للخلق أنتجت في النقد الأدبي الكوري تصورا جديدا عن العلاقة بين المادة واللغة , في الاتجاه النظري للأدب الكوري الجديد الذي نشأ بعد سبعينيات القرن العشرين ظهرت محاولات لتأويل الموروث الميثولوجي ضمن خطاب مادي , المنظرون الأدبيون في سول ودايغو تحديداً تعاملوا مع فكرة القماش كنموذج لفهم الشكل الأدبي، لأن الحركة الداخلية في النسيج توازي الحركة الداخلية في النص , هذا التأويل أسس لمفهوم (الأدب المادي) الذي يرى في الكتابة عملية جسدية تنتج المعاني من احتكاك الطبقات و القماش في هذا الإطار يعيد هيكل الإدراكي لتكوين النص أكثر من كونه استعارة. تنورة ماجو هالمي أصبحت في الثقافة الكورية الحديثة مركزاً مرجعياً لتفسير نشأة الوعي المادي في الأدب, الأسطورة الأم التي قدّمت الأرض من حركة جسد ما زالت تتحرك داخل النصوص الجديدة , والكاتب الكوري حين يتعامل مع اللغة يتعامل مع القماش نفسه الذي كوّن الأرض , كل بناء لغوي جديد امتداد لذلك الخلق الأول، وكل حركة سردية استمرار للحركة التي خلقت الأسس للفكرالأدبي الكوري الحديث الذي يستخدم هذا الامتداد لقراءة العلاقة بين الجسد والكتابة، ويجعل من الموروث الميثولوجي مادة فكرية لا تفقد فعاليتها داخل النظرية الأدبية. *كاتبة ومترجمة. الرياض